responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 171
نميل على جوانبه كأنا ... نميل إذا نميل على أبينا
نُقلِّبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرماً ولينا (1)
وهكذا كان لحلم معاوية رضي الله عنه وحسن خلقه ومبادلته الإساءة بالإحسان الأثر الكبير في نفس أبي الجهم فقال هذين البيتين في الثناء على معاوية, ولقد كان سلوك أمير المؤمنين معاوية تطبيقاً لقوله الله تعالى: ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ? وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) (فصلت، الآيتان:35,34).
ونظراً لحلم معاوية الكبير وما يتصف به من الشجاعة والعزة فإن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أثنى عليه [2] بقوله: دعوا فتى قريش وابن سيدها, إنه لمن يضحك في الغضب ولا يُنال منه إلا على الرضا, ومن لا يؤخذ ما فوق رأسه إلا من تحت قدميه [3]. فهذا قول دقيق من عمر في وصف معاوية, فقد وصفه بالدرجة العالية من الحلم, والعزة التي تجعله منيعا لا ينال ما عنده على قهر منه, وهذه الصفة من صفاته التي جعلة أمير المؤمنين عمر يبقيه أميراً على الشام لخطورة ذلك الثغر [4].
وقال معاوية رضي الله عنه: العقل والحلم أفضل ما أعطي العبد, فإذا ذُكِّر ذكر وإذا أُعطي شكر, وإذا بتلي صبر, وإذا غضب كظم, وإذا قدر غفر, وإذا أساء استغفر, وإذا وعد أنجز [5] ففي هذا الخبر جمع أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه درراً من الحكم, وهي الشكر عند الرخاء, والصبر عند الابتلاء والتحكم في السلوك عند الغضب, والعفو عند المقدرة, والوفاء بالوعد, والاستغفار عند الإساءة, فهذا الخبر على قصره قد جمع ستة موضوعات, كل موضوع يحتاج إلى أن يكتب عنه في صفحات, وهذا من جوامع الكلم, وهو يعتبر من أعلى أنواع البلاغة, وذلك في جمع المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة, وقد اشتهر في هذا البيان عدد من الصحابة رضي الله عنهم تتلمذوا في ذلك على رسول الله صلى الله الذي أوتي جوامع الكلم [6].

3 - الدهاء والحيلة
ومن الصفات التي تميز بها معاوية رضي الله عنه صفة الدهاء والحيلة ومما يروى من دهائه وحسن إدارته وتدبيره, أن المسلمين غزوا في أيامه فأسر جماعة منهم, فوقفوا بين يدي ملك الروم

(1) التاريخ الإسلامي (17/ 28) البداية والنهاية (11/ 440).
[2] التاريخ الإسلامي (17/ 30,29).
[3] البداية والنهاية (11/ 415).
[4] التاريخ الإسلامي (11/ 30).
[5] أنساب الأشراف (5/ 336).
[6] التاريخ الإسلامي (19/ 355,20).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 171
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست