responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 170
من العز, ولكن أبدى سروره بذلك الذل لما يترتب عليه من النتائج الحميدة التي منها اكتساب الأصدقاء والأنصار [1] وفي كتابه إلى زياد أمير العراق بيان لسياسته الجيدة التي تخيف المتهورين الميالين إلى إحداث الفوضى والإخلال بالأمن, ولكنها في الوقت نفسه تبعث الأمل لدى من يراجعون أنفسهم ويريدون سلوك طريق الاستقامة والسلامة [2] , ولقد أثنى على أمير المؤمنين معاوية حكماء عصره وذكروا اتصافه بمكارم الأخلاق وخاصة الحلم, وفي ذلك يقول الحافظ بن كثير: وقال عبد الملك بن مروان - يوما وذكر معاوية فقال -: ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه [3] , وقال قبيصة بن جابر: مارأيت أحداً أعظم حلماً, ولا أكثر سؤدداً, ولا أبعد أناة, ولا ألين مخرجاً, ولا أرحب بالمعروف من معاوية [4]. وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: لله در ابن هند, إن كنا لنُفرْقه (5)
, وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا, وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا, والله لوددت أنا مُتِّعنا به مادام في هذا الجبل حجر- وأشار إلى أبي قبيس [6]. وفي قول ابن الزبير هذا وصف دقيق لمعاملة معاوية لقادة المسلمين وسادتهم, فهو جريء شجاع ولكن يظهر عمدا ليصل من ذلك إلى عدم إثارة المخالفين, لأن إظهار الشجاعة يثير عنصر التحدي لديهم, وهو أدهى أهل الأرض في زمانه, ولكنه يظهر الانخداع أمام محدثيه ليصل إلى تجفيف منابع نقمتهم عليه, وهو في ذلك كله يخدم هدفاً سامياً وهو تحقيق حياة الرخاء والأمن للأمة الإسلامية, ولقد تمنى ابن الزبير أن يطول عمر معاوية لأنه يخشى من تغير الأحوال من بعده [7] , ويصف حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سياية معاوية بكلام موجز, لكنه يعني خلاصة تفكير عميق حيث يقول: قد علمت بِمَ غلب معاوية الناس, وكانوا إذا طاروا وقع, وإذا وقع طاروا [8]. وهذا يعني أنه إذا رأى السيول الجارفة قد أقبلت لم يقاومها, وإنما يفسح لها حتى تمر, ثم يحتوي الميدان وقد زال إقبال الناس الشديد فيتمكن مما يريد, وقد عبر معاوية عن هذه السياسة بقوله المشهور: لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت, إذا جذبوها أرخيتها, وإذا أرخوها جذبتها ومن مواقفه في الحلم أنه: جرى بين رجل يقال له أبو جهم وبين معاوية كلام, فتكلم أبو جهم بكلام فيه غَمْرٌ لمعاوية, فأطرق معاوية ثم رفع رأسه فقال: يا أبا الجهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبيان ويأخذ أخذ الأسد, وإن قليله يغلب كثير الناس, ثم أمر معاوية لأبي الجهم بمال, فقال أبو الجهم في ذلك يمدح معاوية:

[1] التاريخ الإسلامي (17/ 26).
[2] التاريخ الإسلامي (17/ 26).
[3] البداية والنهاية (11/ 439).
[4] المصدر نفسه (11/ 439).
(5) نفرقه: نخوّفه ..
[6] البداية والنهاية (11/ 442).
[7] التاريخ الإسلامي (17/ 27).
[8] البداية والنهاية (11/ 443).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 170
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست