اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 507
عن دائرة العبادة، فخرج العمل السياسي بما يشتمل عليه من رقابة الأمة على أعمال الحاكم، وتقديم النصيحة إليه، والسهر على تطبيق الشريعة وأجراء العدل في حياة الناس.
وما أجمل ماقاله سيد قطب في توضيحه لحقيقة العبادة واستنكاره لمن يحصرها في الشعائر التعبدية: (إن الواقع أنه لو كان حقيقة العبادة هي مجرد الشعائر التعبدية ما استحقت كل هذا الموكب الكريم من الرسل والرسالات، وما استحقت كل هذه الجهود المضنية التي بذلها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم - وما استحقت كل هذه العذابات والآلام التي تعرض لها الدعاة والمؤمنون على مدار الزمان! إنما استحق كل هذا الثمن الباهظ هو إخراج البشر جملة من الدينونة للعباد، وردهم إلى الدينونة لله وحده في كل أمر وفي كل شأن، وفي منهج حياتهم كله للدنيا وللآخرة سواء) [1]. وهذا هو معنى العبادة الشامل الذي وعاه العثمانيون الأوائل، فطبقوه في حياتهم، وعملوا به في واقع الأرض، فدانت لهم الممالك، وخضعت أمامهم الطواغيت، ومكن الله لهم في الأرض، ورفعوا راية الإسلام خفاقة فوق بقاع شاسعة من المعمورة ويوم تبدل ذلك المفهوم وانحصر في دائرة الشعائر، فترت الهمم وضعفت العزائم عن القيام بأمور الإسلام كاملة فوقع الضعف ثم السقوط.
إن ماحل بالدولة العثمانية من هزائم عسكرية، وأزمات اقتصادية، وانحرافات خلقية، ومصائب اجتماعية، وتلوثات فكرية، وجفاف روحي، وتأخر حضاري، كان من أسبابه إفراغ الإسلام من محتواه الأصيل، وضياع مفهوم العبادة الشامل.
" فيوم كانت: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} عبادة لم يجرؤ أحد على احتلال أراضي المسلمين واستلاب خيراتهم ويوم كان " طلب العلم فريضة " لم يكن هناك تخلف علمي، بل كانت الأمة المسلمة هي أمة العلم، التي تعلمت أوروبا في مدارسها وجامعاتها!
ويوم كانت {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} عبادة، كانت المجتمعات الإسلامية أغنى مجتمعات الأرض!
ويوم كانت " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " عبادة، وكان ولي الأمر يستشعر أنه راع ومسؤول عن رعيته، لم يكن للفقراء في المجتمع الإسلامي قضية، لأن العلاج الرباني [1] انظر: ظلال القرآن (4/ 1938).
اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 507