اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 500
وقدم محمد علي خدمة لمخططات الأعداء بضرب الاتجاه الاسلامي السلفي في الجزيرة العربية تظاهراً بطاعة السلطان العثماني الذي فقد السيطرة على بلاد الحرمين الشريفين، واتخذ من ذلك ستاراً لتنفيذ مخططات بريطانيا وفرنسا اللتين رأتا الوجود السعودي يشكل خطراً على مصالحهما، خصوصاً في الخليج العربي والبحر الأحمر [1].
وقد كان على رأس تلك الجيوش التي وجهها محمد علي ضباط فرنسيون وبعض النصارى [2].
وقد سرّت فرنسا بذلك العمل الحربي المدمر، وكذلك بريطانيا وأبلغت فرنسا محمد علي عن طريق قنصلها في القاهرة أنها ممنونة مما رأته من اقتداره على نشر أعلام التمدن في البلاد الشرقية [3].
وضايق محمد علي باشا العلماء والفقهاء والأزهريين في لقمة العيش وسيطر على الاوقاف التابعة للأزهر وضمها للدولة وبالتالي أحكم السيطرة على المشايخ القائمين على التعليم من رجال الأزهر [4] وحتى الكتاتيب التي تعلم القرآن الكريم والعلوم الأولية للناشئة من أبناء المسلمين، لم تنج من غائلة محمد علي؛ فقد ذكر الجبرتي -رحمه الله- أن كثيراً من المكاتب أغلقت بسبب تعطل أوقافها واستيلاء محمد علي عليها [5].
وذكر الشيخ محمد عبده أن ماأبقاه محمد علي من أوقاف الأزهر والأوقاف الأخرى لا يساوي جزءاً من الألف من إيرادها. وأنه أخذ من أوقاف الجامع الأزهر ما لوبقي الى اليوم (في عهد الشيخ محمدعبده) لكانت غلته لاتقل عن نصف مليون جنيه في السنة، وقرر له بذلك مايساوي أربعة آلاف جنيه في السنة بينما نجده قد اندفع نحو التغريب وارسال البعثات كما ذكرنا في البحث.
إن هذه السياسة التدميرية التي نهجها محمد علي والتي فرضت قهراً على المسلمين كانت تنفيذاً للمخطط الصليبي الذي عجزت الحملة الفرنسية عن تنفيذه بسبب اضطرارها للرحيل، وهو أمر أكده المؤرخ الانكليزي أرنولد توينبي في قوله: (كان محمد علي [1] انظر: قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين، ص189. [2] المصدر السابق نفسه، ص187. [3] انظر: الانحرافات العقدية والعلمية (1/ 174). [4] انظر: قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين، ص179. [5] انظر: عجائب الآثار (3/ 478).
اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 500