اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 289
وناحت تلك النواحي، ومسحتها المساحي. وجرفتها المجارف، وأخافتها المخاوف، ونكرتها المعارف، وبهرجتها الصياف، ونعتها النواعب، ونابتها النوائب، ونزلتها النوازل، وغالتها الغوائل. وسفتها السوافي، وعفتها العوافي.
وخلت مدارس آياتها من التلاوة، وتخلت مجالس مكرماتها عن الطلاوة. وصوحت مجاني مبانيها، وطوحت معاني مغانيها، ودجت مجالي معاليها، وعادت مقاوي مقاربها. ووقفت على طلولها واستوقفت، وأسيت عليها وأسفت، وتلهبت وتلهفت، وشاهدتها وقد حسرت وحفيت، ومحى سني محاسنها وخفيت. وبكيت تلك الربوع، وأهديت لسقياها الدموع. فلقد أصيب الإسلام بعروسها، وعبست الوجوه لعبوسها، حين ثار نقع بوسها.
فلما خلت مساكنها من سكانها؛ وتخلف بالبيوت رماد نيرانها، رحل السلطان يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان ونزل على يبنى، بعد أن ترك سور عسقلان وقد تعذر أن يبني. ونزل يوم الأربعاء ثالث الشهر بالرملة، وتفضيل جميلة باد على التفصيل والجملة. وأمر بتخريب حصنها وتخريب (لد)، وبذل في ذل كل في ذلك الجهد. وركب جريدة إلى البيت المقدس، واتاه يوم الخميس، وأعاد إليه رسم التأنيس وخرج منه يوم الاثنين ثامن شهر رمضان بعد الظهر، وبات في بيت نوبة، وقد نال بما رتبه من مصالح القدس المثوبة.
وعاد إلى المخيم يوم الثلاثاء ضحوة، وقد أكمل من كل ما رامه حظوة. وفي يوم
الاثنين ثامن شهر رمضان، وصل صاحب ملطية معز الدين قيصر شاه بن قليج ارسلان، ملتجئا من أخيه وأبيه إلى السلطان. فتلقاه الملك العادل، وجاءته منه الفواضل. وأقام في الخدمة السلطانية مدة، واستجد بها جدة، وقوة وشدة. واستظهر بالمصاهرة، وقوى منها بالمضافرة. فإنه تزوج بابنة العادل، وعاد بتاريخ مستهل ذي القعدة ناجح الوسائل.
وفي هذا التاريخ وهو الاثنين خرج ملك الانكتير في خيالته متنكرا، ليكون لحشاشة لهم وحطابة مخفرا. فخرج عليه الكمين، ونشب به اللعين. وجرى قتال عظيم، وكان لأصحابنا موقف كريم. وكاد الملك يؤخذ ويوقذ والطعن في لبته ينفذ. ففداه فارس من أصحابه بنفسه، وشغل طاعته بما عليه من حسن لبسه. فاشتغل به وأسره، وأفلت اللعين وأخفى أثره. وقتل وأسر من خيالته جماعة، وانهزموا من أمر تلك الكرة الخاسرة وقلوبهم مرتاعة.
وجرت أيضا يوم الجمعة ثاني عشر الشهر، حرب بين اليزكية وبين أهل الكفر، سفرت لنا بها وجوه النصر. وقتل مقدم لهم معروف، بالشجاعة موصوف. ورحل السلطان يوم السبت ثالث عشرة، ونزل على تل عال عند النطرون، وهي قلعة منيعة معجبة للظنون والعيون. فأمر بهدها وهدمها، وفل غربها وثلمها. وأشاع بها الاقامة، وأفاض فيها على العسكر الكرم والكرامة. وتمكن الناس هناك من الاحتياط على الأثقال، وإنفاذ الجمال لنقل الأزواد والغلال.
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 289