اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 238
مصرعهم. لكنا ما قدرنا في ذلك اليوم على الركوب، وجلسنا على تلعة قريبة من المعركة ننتظر ما يكون من العسكر
المندوب، والآن بحمد الله قد توفرت حصة الصحة، ولزمت منة المنحة. وكذلك مرضنا عام أول شهرين، والحمد له على المهلة في السنتين. فأقمنا مع السقام، وسقمنا في المقام. وصبرنا وصابرنا، وجاهدنا وجاهرنا. ومقامنا في هذه المدة المديدة في بلد الغور، والوخم فيه يقضي على ماء الصحة بالغور. وما منا إلا من التاث، فأعانه الله بغيث فضله المديمة ديمته الالثاث، والحمد لله الذي أعان وأغاث.
ذكر هجوم الشتاء ومقام السلطان على الجهاد وعود من سار من العساكر إلى البلاد على رسم الاستراحة والاستعداد
ولما تشتت شمل الصيف الرفيق؛ بشمول الشتاء العنيف؛ وانحرف حريف الحريف؛ كانحراف مضيف المصيف؛ واشتعلت رؤوس الجبال شيبا للثلج؛ وحل الوحل جيشه المجر بالمرج، والتحفت كل هضبة يبرد البرد؛ واكتست الغدران من الجليد بالزرد السرد؛ ولبست سود الذرا بيض الفرا؛ وجر السيل الذيل وجرى؛ وطمر المطر هوادي الوهاد؛ وقبض أنامل الأنام عن البسط للجهاد، وجمد الخمر؛ وخمد الجمر؛ وارتعدت الفرائض، وارتدعت الاخامض، وقرست الأيدي، وأمسى الجو بالجوى المسيء يعدو ويعدى؛ وحل الهواء بالوهاد عقود القوى؛ وعقد المترفون على حب الاصطلاء الحبا؛ واشتغل الملوك بملازمة المشاتي؛ ومنادمة المواتي، ومناقلة المناقل، ومعالقة العقائل ومعاقرة العقار؛ ومسامرة السمار؛ ومداناة الدنان؛ واجتناء الجنان؛ ومناغاة الغواني؛ ومناجاة المثالث والمثاني؛ وملابسة السوالف والسلاف وملامسة اللطائف واللطاف: فلت نار عزم السلطان حد الشتاء العاتي؛ ووقف مع عزائمه الماضية وهجر من مشيي إلى المشاتي. وما
صده البرد عن مقصده، ولا رده عن مورده. ولم يحتفل باحتفاله، ولم يبال ببلاله. ولم يكترث بكارثه، ولم يحدث أمرا لحادثه. فاعتاض الاصطلاء بحر الحرب عن الاصطلاء بناره، وجرى على عادته في مصابرة الأعداء والجري لها في مضماره. وما لها عن الله ولا رفض فرضه، وسما إلى سماء الآلاء وأرضاه لما طهر بدم أنجاس أعدائه أرضه.
واستمر على بذل جهده في الجهاد، ووفى بعهده ولم يثنه جفاء العهاد. وقال: إنما أربأ بهذا الأرب، وأرى راحتي في هذا التعب. ويقيني يقيني في ثلج صدري بلطف الله عنف الثلج، وما يبرد قلبي مع تقلب الحر والبرد إلا برد النصر والفلج. لكنه رأى أن مقام العساكر بجمعها وصرفها عن
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 238