اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 234
رأس النهر، وأشفقوا من باس القهر، فانتقلوا إلى غريبه ونزلوا على التل بينه
وبين البحر. والجالشية الرماة منا جولهم جائلة، وعيون أعيانهم على نصالنا سائلة. وجرح في ذلك اليوم وهو الثلاثاء خلق من أهل التثليث، وما نبا عن كثير منهم ناب النائب الكريث. والسلطان في خيمة لطيفة بحيث يشاهد، ولله منه الجاهد المجاهد.
وأصبح الفرنج يوم الأربعاء راكبين، وعن سبيل اللقاء ناكين. ووقفوا على صهوات الخيل إلى ضحوة النهار، والراجل مطيف محدق بهم كالأسوار. وأصحابنا قد قربوا منهم حتى كادوا يخالطونهم، وأرادوا يباسطونهم. والسلطان يمد الرماة بالرماة، والكماة بالكماة. وهم ثابتون نابتون، ساكنون ساكتون. ونحن نقول لعلهم يحملون، ويغضبون فيجهلون، فنتمكن من تفصيل جملتهم بحملتهم، وتفريق جماعتهم، وتفريج الغمة بنزع جمعتهم.
وأحس العدو بالضعف، وأنه متورط في الحتف. فسار موليا، ولعذره لذعره مبليا. ومضى على مضض، ومر بأشد مرض. والنهر عن يمينه والبحر عن يساره، وقد أيقن أن صح منه الثبات بانكساره. وعسكرنا يصافحهم بالصفاح، ويكفهم بالكفاح. ويشعلهم بجمرات السهام، ويلهبهم بحدمات الضرام. ويحرقهم ويشويهم، ويصميهم ويشويهم. ويفيض على غدران السوابغ منهم جداول القواضب، ويخيض في دأماء منهم سوابح السلاهب. ويغيض في ماء الوريد منهم ماء الفرند، ويغيظ بني الكفر في الجمع بين الأختين عليهم ابنتي الغمد والزند.
وأدبروا مولين، وأرخصوا من مهجهم ما كانوا له مغلين. وعسكرنا يتبعهم، ويعلق ويقلعهم. وهم مجتمعون في مسيرهم، محتمون في تقديمهم وتأخيرهم. يتحركون في سكون، ويتظاهرون في كمون، ويتطلعون في غروب. ويتذوبون في جمود، ويتلهبون في خمود. وكلما صرغ منهم قتيل حملوه وستروه، وطموا مدفنه وطمروه. حتى يخفى أمرهم، ولا يصح لدينا كسرهم.
ونزلوا ليلة الخميس على جسر دعوق، وقطعوا الجسر حتى يمنع عبورنا إليهم ويعوق. وأبلى المسلمون في ذلك اليوم في الجهاد بلاء حسنا. وأتوا كل ما كان فيه مستطاعا ممكنا. وقام (إيتز الطويل) في ذلك اليوم مقاما اقعد فيه من الكفرة كل قائم، وانبه به من العزائم كل نائم. وكان مقداما هماما، وأسدا ضرغاما. يطير وحده إلى الروع إذا أبدى له ناجذيه، ويجيب المستصرخ ولا يسأله عما يدعوه إليه. وهو في كل يوم يصبح في سلاحه شاكيا، وبنار عزمه ذاكيا، ويقف بين الصفين، ويدعو إلى المبارزة والحين. فما يبرز إليه إلا من يصرع، ولا يصل إليه إلا من يقطع.
فعرفه الفرنج وتحاموه، فما راموه بعد ذلك ولا راموه. وبذل هذا اليوم جهده، وفل في فل حدهم حده. وأصابته جراحات، وأصابتهم اجتراحات.
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 234