responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب    الجزء : 1  صفحة : 228
شجاع لا
يعتقل الا شجاعا، ولا يرى لغير النجيع القاني ولا انتجاعا.
فلما استدفت لهم هذه الدبابة، وماجت بالحديد لدتها العبابة، وأطافت بذلك الكبش تلك التيوس النبابة وآمنوا عليها الحريق، وأموا بها الطريق، سووا بين يديها الأرض، ومهدوا الطول منها والعرض. وصحبوها حتى سحبوها، وقروا بها أعينا بل أنفسا وقربوها. فجاءت صورة يزعج مرآها، وروضة يعجز مرعاها، وآلة تروق هيئتها، وعدة تروع هيبتها. وبلى البلد من دنوها بالبلاء الداني، وتغاشت وتعاشت دونها نفس الرامي وعين الراني.
وقال أصحابنا: هذه ما في دفع خطرها حيلة، ولا لبارق الظفر بها مخيلة. فكيف العمل، وفيم الأمل؟ ومن للكبش العظيم وقطع رأسه؟ ومن لبناء الحديد ونقص أساسه؟ فإن كانت هذه الدبابة الأرض فما هذا أوانها، وما حان زمانها. ولقد قامت بها قيامة الحشر فقام برهانها. ونصبوا على صوبها مجانيق، ورموا بالحجارات الثقيلة ذلك النيق. فأبعدت رجالها من حواليها، وطردت المطرقين بين يديها. ثم رموها للحزم بحزم الحطب حتى طموا ما بين القرنين بجزره، وقذفوها بالنار فترنم في أثنائها عجا اللهب برجزه. ودخلت من باب الدبابة فاشتعلت نار ضلوعها وشرع من فيها في الخروج بعد دخولها وشروعها.
وجاء الفرنج تلك الليلة فباتوا بالبتيات، يطفئون بالخل والخمر تلك الشعل المستوليات. فأطفئوا نار الظاهر ولم يعلموا بر الباطن، ولم يحسوا بما تمكن من أضلاعها من الحرق الكوامن. وحين أخمدوا الجمر، احمدوا الأمر. ورجعوا ولم يزل اللهب يأكل سقوفها، حتى ترك على ما غطى الخشب من الحديد وقوفها. وحينئذ خسفها المنجنيق، فانهد ذلك النيق، وصوح ذلك الروض الأنيق، ووهن ذلك التركيب الوثيق. ونفقت تلك الدابة واحترقت تلك الدبابة، وخرج من بالعثر المحروس، باشري الوجوه طيبي النفوس. وقطعوا رأس الكبش، واستخرجوا ما
تحت الرماد من العدد بالنبش. وحمل كل من الحديد ما أطاق حمله، واستطاب لثلج صدره وبرد يقينه خره واستخف ثقله.
وقدر ما نهب من الحديد بمائة قنطار، فقل في آلة لبست بهذا المقدار وهو أعظم مقدار. وعاد أصحابنا على عدوهم ظاهرين، ولحزب الكفر قاهرين. وكلهم ينشد وهو ينشئ وينشد جدا وجدا.
نازلت كبشهم ولم ... أر من نزال الكبش بدا
وقنط الكافر وكفر القانط، وسخط الشيطان واستشاط الساخط. وعلم الفرنج حين حبطت أعمالهم؛ وهبطت آمالهم؛ أن الشقاء أدركهم؛ والشقاق أهلكهم. وأن مدبرهم مدبر، وأن ترتيبهم مدمر. وأن آلاتهم غير نافعة، وأن نهلاتهم غير ناقعة.
والحمد الله ذي الطول العميم، والفضل الجسيم. الذي نعش عثار الثغر بعد أن تل للجبين فتلونا قوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم). وكان ذلك في يوم الاثنين الثالث عشر رمضان واحترقت البطسة يوم الأربعاء خامس عشر.

اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب    الجزء : 1  صفحة : 228
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست