responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب    الجزء : 1  صفحة : 226
النفط ويسرع بإلهاب. حتى يوقدوها، وعلى السفن التي لنا بالمينا يوردوها. فيعدى عدوانها، وتنير وتسدى فيها نيرانها. وهم في مراكب من ورائها للحرب مستعدون، وللشر مستمدون. حتى إذا تم برجائهم في البرج والمينا مناهم، نالوا من الاستيلاء والاستعلاء غناهم.
فلما قدموا البطسة ذات البرج المعمور، وصار الصاري ملاصق السور، جاء الأمر بعكس ما قدروه، وأخفق ظنهم للأدبار فيما دبروه. فإن الهواء كان شرقيا، فلم تجد نارهم في مطار برج الذبان رقيا. بل اشتعل برج الصاري وتراجعت ناره إلى أهلها، وعاملت ذوى الجهل بجهلها، وأوقدت بطسة الحطب من ورائها، وتطايرت إليها شعل إذكائها. وعادت على الفرنج فالتهبوا، وحمى عليهم الحديد فاضطرموا واضطربوا. فانقلبت بهم السفينة فاحترفوا وغرقوا، والناجون منهم فارقوا وفرقوا.
وأحمى برج الذبان فلم يطر من بعدها عليه ذباب، ولم يفتح للعدو في الكيد له باب.

فصل مشبع في المعنى من حصار برج الذبان مرة بعد أخرى من كتاب إلى سيف الإسلام باليمن
وأفكر الإفرنج في أمرهم، وأجالوا قداح الرأي في مكر مكرهم. هذا البرج المعروف ببرج الذبان، منفرد عن البلد بوسط البحر منقطع المكان، فإذا أخذناه تسلطنا على مراكبهم التي في المينا، وإذا لم نؤثر بمجيئنا تأثيرا فلأي سبب جينا ومن حديث هذا البرج إنه يحيط بالبحر من جوانبه، وهو قفل مينا الثغر على مراكبه. وقد رفعناه وأعليناه، وبالعدد والرجال قويناه. وبالجرخية والرماة والزراقين والمنجنيقية ملأناه، وبكلاءة الله وعصمته إياه عصمناه وكأناه. وقد
حاموا حوله حولا، فلم يجدوا على نيل غرض منه قدره ولا حولا.
فعمدوا إلى أكبر بطسة وانخذوا فيها مصقالا كأنه سلم، وهو في مقدمها مركب مقدم. وقد جعلوها بحيث إذا قربت إلى البرج ركب رأس السلم على شراريفه، فصعد الرجال إليه في تجاويفه. وتعبوا في ذلك أياما، وأشبعوه توثيقا وإحكاما. وهو بمرأى من الأصحاب ينظرونه وينتظرونه ويبصرونه، ويستنجدون الله عليه ويستنصرونه. والقوم قد أصبحوا بتلك البطسة زاحفين، وعلى ذلك السلم بعددهم واقفين. حتى إذا التصق بالبرج التصقت به قوارير النفط، وتوالت أمطار البلايا من الجروخ والحجارات والمنجنيقات على أولئك الرهط.
ووجدت النار بسطة ولم يسلم السلم، وناب القوم من فجيعتهم بها المصاب الذي ألم بهم وآلم. وقتل منهم من باشر القتال، ونزل العذاب بمن حاول النزال. والحمد لله الذي آيات ظهور دينه متناصرة، ودلائل نصر أوليائه متظاهرة.

اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب    الجزء : 1  صفحة : 226
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست