اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 177
السور. وملئوه بالستائر، ومنعوه من الطير الطائر. وبنوه وأسسوه، وستروه. وترسوه ورتبوا عليه رجالا، ولم يتركوا إليه لواغل مجالا. وتركوا فيه أبوابا وفروجا، ليظهروا منها إذا أرادوا خروجا.
ولما فرغوا من هذا الأمر اشتغلوا بالحصر. ونحن نقول: لا مبالاة بهم ولا اكتراث، وما أسهل إذا عزمنا عليهم لأصولهم الاجتثاث، وبسيول سيوفنا نغسل تلك الاخباث. وأي وقت قصدناهم وجئناهم وجأناهم، ونكأنا قرحهم ونكبناهم. وما فوارسهم لنا إلا فرائس، وما خنادقهم لهم إلا رموس دوارس. وما حفروا إلا قبورهم، وما دبروا إلا ثبورهم. ومتى قصدناهم كذبت ظنونهم، وصدقتهم منونهم. وامتلأت بأشلائهم خنادقهم، وأظلمت عليهم بغربنا مشارقهم، وبيتتهم بوائقهم وتبت علائقهم.
ذكر رأي رائب، عن النظر في الغاي غائب، أسفر عن داء دائب وأبان عن غرارة بغرائب
وقع لبعض الأكابر فثنى عليه خنصره، ووكل بإتمامه سمعه وبصره. لما تمت على الفرنج تلك المقتلة، وعمت فيهم الهلكة، وضمت أشلاءهم المعركة، وشوهدت على الربى حجب نحورهم المهتكة. وخمدوا وخملوا، وأهلكهم الله بما عملوا. وقع لبعض الأكابر أنه لم يبق للقوم انتعاش من تلك المعاثر. وأنهم قد عدموا القرار، وعزموا الفرار. ولو قدروا على النجاة لخلصوا، ولو فتحنا طريقهم ما تصبروا ولا تربصوا.
وقال للسلطان: ارحلوا عنهم حتى تروا ما يكون منهم. فإنهم يرهبون ويهربون، ويبعدون إلى صور ومن بعدها ومن عكاء ر يقربون. فمال قوم إلى مقاله، وتخيلوا مثل خياله. وأشار بقطع طريق البلد، والصدر عن ورد الرصد، والجد في تعمية الجدد. وأن يفتح لهم ما سد من الطريق، ولا يعوقهم فإنهم تعوى من التعويق.
ولما بلونا رأيه، وتلونا آية، أخلف ظنه، وبدا وهنه. وما زاد الفرنج الاثباتا، ولم نعرف لشملهم على ما توهمه شتاتا. وكنا نتحدث بذلك الرأي الفائل، ونقول ما أعجب قبولنا قول هذا القائل.
ذكر ما جرى بعد ذلك من الحوادث، وتجدد للعزائم من البواعث
أقام السلطان بالمخيم لإصلاح مزاجه، وإيضاح منهاجه. ومداراة ألمه، ومداواة سقمه، فوهب الله له العافية، وكمل له عصمته الكافية، ومنته الشافية، ونعمته الوافية، وأبدى له ألطافه الخافية. وقوى قلبه على المقام بنية الانتقام. وصرف الأجناد الغرباء
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 177