اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 175
ثم قال: ليشر كل منكم برأيه، ولا يقدم على قول ورأيه من ورائه. فتجاذبوا حبل الاضطراب، واختلفوا في الآراء بحسب اختلاف الآراب. وركب كل منهم هواه، وأعلن بما نواه. ومنهم من قال: هذا ثالث عشر تشرين الثاني لا الأول، وقد دفعنا إلى الخطب الاعضل، والتعب الاطول، والنائب الأعصى والناب الاعصل، وما نزلنا عن الخيل منذ خمسين يوما، وما طعمنا في هذه الليالي نوما، ولا سمنا لطارق طيف غمضا، ولا شمنا إلا لبارق سيف ومضا، ولكم قذفتنا المنايا وقد دخلنا لهواتها وكأن أبا الطيب عنانا بقوله؛ (وكأنما خلقوا على صهواتها). وقد كلت الضوامر، وفلت البواتر، وملت العساكر. وهذا الشتاء قد أقبل، والعدو قد
استقتل، والشر قد استحفل. وما يتأتى قلعه إلا لمن يتأنى، وبالصبر يدرك الأريب ما يتمنى. وهم بالمصابرة مصابون، ونحن على المثابرة مثابون. وهؤلاء لا يتمكن منهم إلا بالجمع الجم، والسيل لا يغلبه غير الخضم. والصواب أن نصابرهم هذه الشتوة، ونستجد لنا ولخيلنا القوة. ونتأخر عن هذه المنزلة، لتحصيل هذه المصلحة المؤملة، ونوكل بهم مناوبة من يمنعهم من الخروج. وإذا انقضى البرد نرجع إلى معالجة هؤلاء العلوج. ونعيد السريجيات إلى سلها والسلاهب إلى السروج. والصواب الأخذ بالاحتياط ونقيم الكتب والرسل إلى الأطراف والأوساط. ومكاتبة دار السلام، وأعلام الإمام - عليه أفضل السلام - بما دفع إليه الإسلام بالشام. فإن المسلمين لا شك بنجدون، ويقومون بالنصرة ولا يقعدون. ولا يترك استنفار التركمان، وترغيبهم بالبر والإحسان. واستدعاؤهم بالعطايا، والتشريفات السنايا. وينفذ إلى بلاد الشام القاصية والدانية في تحريك الهمم والعزائم الوانية. إلى أن تملئ بالجموع ساح الساحل، وتغلى بنار الحميات بها مراجل الراجل.
فحينئذ ينتهي أمد المصابرة، ونصمم على المكابرة مع المكاثرة. ونباديهم ونفاتحهم قبل انفتاح البحر، ونغاديهم ونراوحهم على اقتراح القهر. وننسفهم ولو أنهم جبال، وننزفهم ولو أنهم بحار، ونعدمهم حتى لا يطرق جفن بلد منهم خيال. ولا يلم بجفن طارق لهم غرار.
وما زلنا في مشاورة ومحاورة؛ ومجاذبة ومجاوبة، ومناظرة ومساورة؛ حتى تنخل الرأي وتمخض، وخالوا أنه تبين الصواب وتمحض. ومالوا إلى الدعة؛ والخروج من الضيق إلى السعة. ومن نزال الحرب إلى المنزل الرحب. ومن المعترك المعتكر إلى المبرك المبتكر.
فلم تعجبني هذه الحالة، ولم توافقني هذه المقالة. وقلت: لعمري أتيتم بمصلحة، ولكنها غير مترجحة. فإن الفرنج إلى الآن لم يتمكنوا من الحصار، ولم يحدقوا
بجميع الأسوار. فإذا رحلنا وتنحينا عنهم أرخينا خناقهم، وأطلنا إلى مرادهم أعناقهم. وباب عكاء من
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 175