اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 130
وكان فتح ذلك المعقل من الله مشية. فإنه موضع ما فيه مكمع، ولم يكن للكفر غيره مفزع. وصعد إليهم قاضي جبلة يوم السبت غدوة، وكان ذلك الفتح صلحا أشبه عنوة. وطلع السنجق المنصور، وانجلت الظلمة وتجلى النور، وأشرق الفلق وزهق الديجور، وبدأ الفجر وباد الفجور، وسرت القلوب وأقبل السرور.
وسلموا القلاع بما فيها من عدة وذخيرة، وأسلحة وخيل ودواب كثيرة. وأمنوا على أنفسهم وأموالهم، وانصرفوا بنسائهم ورجالهم، وذريتهم وأطفالهم، وخفوا من
أثقالهم. ودخل جماعة منهم في عقد الذمة، تمسكوا بحبل العصمة. وانتقل الباقون إلى إنطاكية، وأيقنوا أنهم وجدوا بعد رسوم السلامة العافية العافية.
ورتب السلطان جماعة من خواص مماليكه، وأخرج من القلاع أهل الكفر واسكنها التوحيد مصونا من الإشراك وتشريكه، ثم ولى بها سنقر الخلاطي مملوكه، وقد عرف حسن سيرته وأحمد سلوكه. فتولى الرعية كافة بالرعاية والكفاية، وانتهى إلى الغاية في نهى اولى الغواية، وأقام جاليا للغاية، عالي الرأي والراية.
وركب السلطان إلى البلد وطافه، وهز إلى إحسانه اعطافه، وأدنى إلى عدله قطافه، ووفر ألطافه، وأصفى نطافه، وأمنه بعد ما أخافه.
ورأيتها بلدة واسعة الأفنية، جامعة الأبنية. متناسبة المعاني، متناسقة المغاني، قريبة المجاني، رحيبة المواني. في كل داربستان، وفي كل قطر بنيان، وقد أبى الله أن يكون للكفرة منها جنان. أمكنتها مخرمة، وأروقتها مرخمة، وعقودها محكمة، ومعالمها معلمة، ودعائمها منظمة، ومساكنها مهندسة مهندمة، وأماكنها ممكنة، ومحاسنها مبينة، ومراتبها معينة. وسقوفها عالية، وقطوفها دانية. وأسواقها فضية، وآفاقها مضية، ومطالعها مشرقة، ومرابعها مونقة. وأرجاؤها فسيحة، وتهواؤها صحيحة.
لكن العسكر شعث عمارتها، وأذهب نضارتها، وأزعج ساكنيها، وأخرج قاطنيها. وملك دور المشركين للموحدين، وطهرها من رجس الكفر واظهر الدين. ووقع من عدة من الأمراء الزحام على الرخام، ونقلوا منه أحمالا إلى منازلهم بالشام. فشوهوا وجوه الأماكن، ومحوا سني المحاسن.
وبظاهر اللاذقية كنيسة عظيمة، نفيسة قديمة، بأجزاء الاجزاع مرصعة، وبألوان الرخام مجزعة، وأجناس تصاويرها متنوعة، وأصول تماثيلها متفرعة. وهي متوازية الزوايا، متوازنة البنايا. قد تخيرت بها أشبح الأشباه، وصورت فيها
أمواج الأمواه، وزينت لإخوان الشيطان، وعينت لعبدة الصلبان.
ولما دخلها الناس اخرجوا رخامها، وشوهوا أعلامها، وحسروا لثامها، وكسروا أجرامها، وأهدوا الأسى لهد أساسها، وأفاضوا عليها لباس ابلاسها، وحكموا بعد
اسم الکتاب : الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس المؤلف : عماد الدين الكاتب الجزء : 1 صفحة : 130