قد أصبح التشاور وتداول الآراء شيئا واجبا، بالنسبة إلى النظر في الوسائل الأكثر تأثيرا ونجوعا. ولست سوى واحد منكم، فماذا ترون؟ فهل يمكن لنا أن نقاوم الفرنسيين مدة طويلة، أو نسلم إليهم المدينة بعد إبرام معهم معهدة تعرف بـ (معاهدة التسليم)؟ فهذه الأسئلة قد أقعت أعيان المجلس في حيرة، لأنهم يجهلون ما يكنه هذا الباشا، أهو صريح معهم فيما فاه به؟
أم تكلم بذلك من أجل سبر أغوار آرائهم؟ وكذلك كانوا يخشون أن الباشا لا يريد بهذه الأسئلة سوى معرفة مدى تأثير النشرات التي أطلقها (بورمون) في صفوف الرعية بالجزائر (وسأتحدث - فيما بعد - عن جميع هذه النشرات) وكانوا يعتقدون أن من الواجب إخفاء آرائهم في مثل هذه الظروف. وأنهم يخشون بعض تأثيرات الداي وإغاظته؛ إذا هم أبدوا رغبتهم في السلم. ولذلك كان الجواب العام كما يلي: (إننا نقاتل حتى آخر شخص منا، بيد أنه إذا كان سموكم يفضل وسيلة أخرى، فلكم الكلمة العليا والأمر المطاع فيما ترونه ملائما، ونحن تحت أمركم وعند إرادتكم).
ثم افترق المجلس بنية متابعة القتال. ومع ذلك، فيجب الاعتراف بأن انتشار النشرات باسم الدولة الفرنسية. التي عرفت بالشهامة والعدالة، قد ساهم كثيرا في استمالة الرعية، وجعل الأشخاص البصراء المعتدلين يفكرون في تفصيل الوسائل السلمية. وبعدما أمعنوا في التفكير قالوا فيما بينهم: (إننا دون أن نعرض حاكم البلاد للخطر، يجب علينا - في نفس الوقت - أن لا نجنح إلى أقصى التشديد المؤدي بالمدينة وسكانها إلى الخطر الكبير).
وبعد هذأ التعقل يسهل علينا أن ندرك أن أعيان البلاد لم يكونوا يخشون أنهم سيصبحون رهن الظلم والسلب والتقتيل. ولو حشوا ذلك لقاتلوا الفرنسيين بكل ما يملكون من قوة وبسالة، بل لو كانوا يفكرون أنهم سيرون الفرنسيين يعاملوننا مثل معاملتهم إيانا الآن لضحوا بالكل في سبيل الكل، لأن منافع الحرب - كما أنبأنا المؤرخون - رهينة الاستبسال ووضع حياة النفوس في أكف الأخطار. فالحياة السعيدة - على هذه البسيطة - محفوفة بالمصائب