العظيمة؛ ومن أراد شراءها فعليه أن يدفع ثمنها من دمه الخاص. ولذلك يقول القدامى: (من لا يغامر لا ينال شيئا). وهكذا - إذن - أصبحت جميع قوانا - التي كان في إمكاننا أن نبليها - مشلولة، بسبب موجة هذه النشرات الكاذبة، التي لا دخل لها في الحيل الحربية، إذا كان المقصود منها إعطاء كلمة الشرف والتعبير عن النية الحسنة. وكانت هذه النشرات تضم مواعد حقيقية قطعية: نستطيع أن نجهر بأن الفرنسيين لم يوفوا بها. وذلك يعتبر ارتكابا لخطيئة سياسية.
وفي نفس الليلة اجتمع عدد من أعيان الجزائر بـ (برج باب البحرية). وكان هؤلاء الأعيان يتألفون من تجار وأصحاب رؤوس أموال. فاتضح لهم أن خسران مدينة الجزائر شيء محتم لا مفر منه، وأن الفرنسيين متى دخلوا بالقوة واستولوا على المدينة عنوة، فإنهم لا يكفون عن السلب والنهب، وقتل جميع السكان، بما فيهم النساء والصبيان، دون مقاومة. فمن الأحسن أن نأخذ باقتراحات الداي السلمية التي ترمي إلى إبرام معاهدة تسليم البلاد بشروط نعقدها مع قائد الجيش الفرنسي. وفي اعتقادنا أن دولة (مثل فرنسا) ذات سيادة واحترام، لا تسمح لها مكانتها بمخالفة هذه الشروط أو خرق تلك المعامدة ; بل سوف نصبح تحت جناحها نتمتع بالحرية وننعم بالعدالة والإنصاف.
ليحكمنا زيد أو عمر! أي منهما على السواء. فالمهم أن تكون شؤوننا مدبرة على أحسن ما يرام، وحسبما تقتضيه أسس الحكومة الفرنسية، ولكن هل يبقى ديننا محترما؟ إن الدين أمر معنوي يتعلق بالعقل والقلب، فلا يتجادل فيه. ثم إن الفرنسيين بشر مثلنا، والأخوة البشرية قد جمعتنا معهم.
وإذا كانت المدنية قد أسست على حقوق الإنسان، إذن فلا شيء يخيفنا من حكومة متمدنة.
وهكذا كانت انعكاسات أفكار هذا المجلس. التي انتهت بقرار يقضي بعدم مقاومتهم للجيش الفرنسي.