إن رجال العلم وأعضاء القضاء لا يهتمون سوى بالعلوم والقوانين، فهم في ميدان الاستشارة والنصائح أفضل منهم في ميدان العمل الحربي. وبما أنني كنت مرتبطا بهذه الشخصية (شيخ الاسلام) استدعاني بواسطة بطاقة كي أحضر لديه. فكان جوابي له: (لم يبق أمل في هذه القضية. فخسارتنا لا مفر منها، وأنا لا أريد أن أكون شاهد عيان لكارثة مفزعة). فالعساكر المشاء لم يكونوا منظمين. والمدفعيون أقل منهم تنظيما - إذن فكيف يؤمل في بعض النجاح؟ بل بالعكس.
فكان من الواجب أن يعين لقيادة الجيش رجل ذو خبرة وحنكة. وتوضع تحت تصرفه عشرة آلاف من رجال القبائل، فيدفع لكل جندي منهم عشرة (بودجوات) (ثمانية عشر فرنكا) في اليوم، بقصد تشجيعهم وحثهم على القتال.
ثم تتوجه تلك القبائل إلى مختلف الأماكن (الاستراتيجية) ليقطعوا الطريق الرابطة بين اسطوالي وبين معسكر القائد (بورمون). وكان من الواجب - أيضا - أن يوضع تحت تصرف الجيش الجزائري جميع أنواع الأسلحة الممكن احتياجهم إليها. فبغير أمثال هذه الخطة لا يمكن أن يتحقق النجاح. وكان الأشخاص الجهلاء الموجودون في حوزة هذا المفتي، قد لاحظوا: (أن حمدان أصبح رجل الفرنسيين، لأنه سافر إلى بلادهم وأعجب بنظامهم، وعلى هذا الأساس يجب الاحتراس منه). ثم ختموا كلامهم بقولهم: (إذا قطعت الطرق على الفرنسيين المغتاضين، فإنهم سيعملون على إرهاقنا ويحملون علينا حملة رجل واحد ; انتقاما لأنفسهم من أجل العراقيل التي وضعناها في سبيلهم). وفي الغد أدرك الباشا أن تخميني في إبراهيم آغا قد تحقق، وتبين له أن هذا الآغا لم يكن سوى رجل ساقط لا قيمة له. ثم عزل إبراهيم آغا وسمى باي تيطري آغا في منصبه. ولكن لا فائدة في استبدال هذا بذاك، فلو أن يحيي آغا نفسه الذي ذكرته أعلاه قد عاد في هذه الظروف وأسند إليه أمر الجيش، ما اتسطاع أن يغير شيئا في الأوضاع، لأن الحالة قد تأزمت والأفكار أصبحت مضطربة، فلم يبق اتساع في الوقت لإيجاد الوسائل التي يمكن بها