فيما مضى. فذهبت إليه، فلم أجده. بل وجدت جنوده مشتتين يمينا وشمالا، ولكن - بعد الطويل - استطعت أن أعثر عليه في أحد منازل الريف، مختفيا مع أربعة أو خمسة أفراد من خدامه، وعندما كلمته تبين لي أنني لم أكلم رجلا، وإنما أكلم صبيا. كثيرا ما أظهر الفشل والقنوط. فمن العبث - إذن -أن أبذل ما في وسعي من أجل إلهامه إلى الشهامة، وحثه على العزم، ورأيت من الأفضل أن أعود أدراجي إلى الداي. وبعدما اطلع هذا الأخير على سلوك صهره وتصرفه قال لي: (لقد ذهبت منتعشا بالأمل، وعدت دون أن تحقق أقل نجاح لمساعيك). فعندئذ أجبته:
(إن الرعية بمثابة القطيع، والقطيع لا بد له من راع وها هي رعيتك بدون راع. وها هو العدو يتقدم). فقد أصبح الجيش بدون قائد، وأمسى القبائل يجهلون المكان الذي يختفي فيه هذا القائد. فلم يبق - إذن - سوى تسليم المدينة إلى الفرنسيين. والباشا لم يكن يعرف أن الجبن من شيم هذا الآغا، بل كان يعتقد فيه أكثر مما يستحقه، ولهذا أمرني أن أعود إليه - مرة ثانية - وأبذل وسعي حتى يعود إلى معسكره. فعدت إلى الآغا الذي امتثل أمري على مضض، وجمعنا ما ستطعنا جمعه من الجنود القليلين الذين كانوا حاضرين مجهزين. ورغم أني كنت متأكدا - مسبقا - بأننا لا نستطيع فك الحصار ولا حماية المدينة، ومع ذلك فإني بذلت جميع في ما وسعي من أجل أداء هذه المهمة. وبعد تحرك جيش (بورمون) باسطوالي أصبح الآغا وجنوده تقريبا مشتتين، ولم يعلم أي شخص أين انسحبوا، وفي هذا الوقت دعا الباشا المفتي: شيخ الإسلام، وأعطاه سيفا وأمره أن يجمع الرعية من أجل الدفاع عن حوزة الوطن، ولكن فيا للأسف! فقد فات الأوان. وأصبح الجيش الفرنسي على مقربة من (برج مولاي حسن) وقت الغروب من هذا اليوم.
إن شيخ الاسلام رجل عادل وذو جدارة واستحقاق. ولكنه بعيد عن أن يكون رجل حرب. فيصعب عليه أن يقود جيش في وقت حرج. كما لا يستطيع أن يرد العدو.