اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 362
واحداً، وأن جياد قطعانه لم تلد المهور، فليدم اقبال الملك، مادامت نفسه الشريفة آمنة سالمة، فإنها تكون عوضاً لكل مفقود، إذ أن وجودنا وعدمنا نحن العبيد والاتباع أمر سهل يسير [1]، كما يذكر رشيد الدين نفسه رأياً مخالفاً في كيفية قتل القائد المغولي كيتوبوقا، حيث يشير إلى أنه وقع في بداية الأمر في الاسر، ثم أحضره قطز إلى مجلسه مكبلاً ودار بينهما حواراً بداه قطز مخاطباً كيتوبوقا بقوله: أيها الرجل الناكث العهد ها انت بعد أن سفكت كثيراً من الدماء البريئة وقضيت على الابطال والعظماء بالوعود الكاذبة، وهدمت البيوتات العريقة بالاقوال الزائفة المزورة قد وقعت أخيراً في الشرك.
وعندما سمع كيتوبوقا كلامه انتفض وهو مكبل اليدين كأنه الفيل الهائج، فأجاب قائلاً: أيها الفخور المغتر، لا تتباه كثيراً بيوم النصر هذا، فأنا إذا قُتلت على يديك فإني أعلم أن ذلك من الله لا منك، فلا تُخدع بهذه المصادفة العاجلة، ولا بهذا الغرور العابر، فإنه حين يبلغ حضرة هولاكو نبأ وفاتي سوف يغلي بحر غضبه وستطأ سنابك خيل المغول البلاد من آذربيجان حتى ديار مصر، وستحمل رمال مصر في مخالي خيولهم إلى هناك، إن لهولاكو خان ثلاثمائة ألف فارس مثل كيتوبوقا، فأفرض أنه نقص واحد منهم، فقال له قطز: لا تفخرإلى هذا الحد بفرسان توران، فإنهم يزاولون أعمالهم بالمكر والخداع لا بالرجولة والشهامة [2]. فرد عليه كيتوبوقا: إني كنت عبداً للملك ما حييت ولست مثلك ماكراً وغادراً ... بادر بالقضاء عليّ بأسرع ما يمكن حتى لا أسمع تأنيبك. فأمر قطز بقتله ففصلوا رأسه عن جسده، ولما بلغ هولاكو خان نبأ نعي كيتوبوقا، وعلم بحديثه في ذلك الموقف أسف أسفاً شديداً على وفاته، واشتعلت نيران غضبه وقال: أين أجد خادماً آخر مثله يبدي مثل هذه النوايا الطيبة، ومثل هذه العبودية ساعة هلاكه [3]. وبالرغم مما يعرف به رشيد الدين من محاباة للمغول، فإنه لا يمكن أن ننكر ما كان عليه كيتوبوقا من مكانة عند المغول، يعتمدون على رأيه وشجاعته وتدبيره وكان بطلاً شجاعاً مقداماً، وخبيراً بالحروب وافتتاح الحصون، وكان هولاكو يثق به ولا يخالفه فيما يشير به، وبموته استراح الإسلام منه، حيث كان شر عصابة على الإسلام وأهله [4].
وعلق نور الدين خليل على شجاعة القائد المغولي والقصص المنسوبة إليه فقال: وننظر إلى تلك [1] جامع التواريخ (2 ـ 314)، جهاد المماليك صـ 124. [2] جامع التواريخ (2 ـ 315 ـ 316)، جهاد المماليك صـ 125. [3] المصدر نفسه (2 ـ 315 ـ 316)، المصدر نفسه صـ 125. [4] النجوم الزاهرة (7 ـ 91)، المغول للعريني صـ 361.
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 362