اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 274
12 ـ عصر الأفذاذ: هذه التسمية انفرد بها على حسب علمي الشيخ محمد محمد حسن شُرَّاب حيث قال: لا أدري من الذي أضاف هذا العصر إلى لفظ (المماليك) ولا أعرف من أول من أعطاهم هذا اللقب، إن كان الذين وضعوا هذا الوصف (المملوكي) هم العرب، فإنهم والله أساءوا إلى من أحسن إلى بلادهم، وإن كان الذين وضعوا هذا الوصف هم الغربيين الأوربيين كان علينا أن نعرف أن الأعداء لا يصفون عهودنا التاريخية إلا بأحسن الصفات إليهم، وأبغض الصفات إلينا، فما كان لنا أن نقلدهم ونسير على هديهم، فالغربيون الصليبيون يحقدون على عصر صلاح الدين، وعلى عصر (الأفذاذ)، وقولهم (المماليك) إنما هو لقب (ذم)، هم يحقدون على هؤلاء الأفذاذ، لأنهم حرموا الصليبيين من تحقيق أطماعهم في العودة إلى القدس، ذلك أن الحملات الصليبية لم تفتر بعد صلاح الدين وذكرنا قول هذا أنهم دخلوا القدس مرتين بعد أن حرره صلاح الدين، وكانت بقيت لهم ممالك وحصون كثيرة على الساحل وهؤلاء الذين نلقبهم (المماليك) هم الذين نظفوا البلاد من الصليبيين وأزالوا آخر مملكة صليبية سنة 690هـ/1291م أي: بعد فتح القدس بمائة سنة .. وهؤلاء الذين نصفهم بالمماليك، هم الذين هزموا أكبر غزو وحشي على البلاد الإسلامية، بعد الغزو الصليبي ألا وهو الغزو المغولي، ومعركة عين جالوت تتحدث عنها الركبان، وتعد رمزاً لقوة الإسلام .. وعهد هؤلاء الأفذاذ العلمي من العهود الزاهرة وآثارهم العلمية والعمرانية شاهدة لتاريخهم المجيد، فقد عددت لهم في القدس وحدها خمس وثلاثين مدرسة لتعليم العلوم النافعة، وعشرات المساجد، والبنايات والأوقاف والأربطة والإصلاحات [1]، إنهم إذا كانوا مماليك، فإنهم في رأيي مماليك الإحسان عل معنى قول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
فأولئك أحسوا في قرارة نفسوهم إن الله أحسن إليهم عندما جلعهم مسلمين وحكاماً، فامتلك قلوبهم هذا الإحسان، لم يفخروا بنسب ينتمون إليه، وإنما فخروا بأعمالهم التي خلدتهم، ومن حقهم علينا، أن نلقبهم بأحب الألقاب إليهم في حياتهم، ومن حقهم علينا أن نذكرهم في التاريخ بالصفة التي تدل على الوفاء لهم جزاء ما قدموا للعرب والمسلمين، ومن الأوصاف المناسبة لعصرهم أن نقول: عصر الأفذاذ [2]. [1] بيت المقدس والمسجد الأقصى صـ424 ـ 425. [2] المصدر نفسه صـ426.
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 274