اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 201
هناك غرف خاصة للمطالعة، وحلقات النقاش والندوات العلمية وغرف خاصة للترفيه والأكل والشرب، ومكان إقامة لطلاب العلم الذين جاءوا من مسافات بعيدة، لقد حوت هذه المكتبة عصارة الفكر الإنساني، وكان المأمون يشترط على ملك الروم في معاهداته معه بعد إنتصارات المأمون المشهورة عليه أن يسمح للمترجمين المسلمين بترجمة الكتب التي في مكتبة القسطنطينية، وكان لخلفاء بني العباس موظفون يجوبون الأرض بحثاً عن الكتب العلمية بأي لغة لتترجم وتوضع في مكتبة بغداد بعد أن يتولاها علماء المسلمين المتخصصون بالنقد والتحليل، لقد ترجمت في مكتبة بغداد الكتب المكتوبة باللغات اليونانية والسريانية والهندية والسنسكرتية والفارسية واللاتينية وغيرها [1].
ـ ماذا فعل التتار مع مكتبة بغداد الهائلة؟: حمل التتار الكتب الثمينة، ملايين الكتب القيمة، وألقوا بها جميعاً في نهر دجلة، وألقى المغول بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة، وتحول لون المياه إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل الفارس المغولي كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى، وهذه جريمة في حق الإنسانية، وتكررت عبر التاريخ في الأندلس في مكتبة قرطبة وغرناطة وطليطلة وأشبيلية وبلنسية وسرقسطة وغيرها، في مكتبة طرابلس اللبنانية فأحرقوا ثلاثة ملايين كتاب وفعلها الصليبيون والنصارى في فلسطين، في مكتبة غزة والقدس وعسقلان، ثم فعلها بعد ذلك المستعمرون الأوربيون الجدد والذين نزلوا إلى بلاد العالم الإسلامي في القرن التاسع، ولكن هؤلاء كانوا أكثر ذكاء، فإنهم سرقوا الكتب ولم يحرقوها، ولكن أخذوها إلى أوربا، ومازالت المكتبات الكبرى في أوربا تحوي مجموعة من أعظم كتب العلم في الأرض، ألفها المسلمون على مدار عدة قرون متتالية، ولا يشك أحد في أن أعداد الكتب الأصلية الإسلامية في مكتبات أوربا تفوق كثيراً أعداد هذه المراجع الهامة في بلاد المسلمين أنفسهم. لقد كان هم الغزاة على طول العصور أن يحرموا هذه الأمة من اتصالها بأي نوع من أنواع العلوم، إما بحرق الكتب أو بإغراقها في الأنهار أو بسرقتها أو بتغيير مناهج التعليم ـ حالياً ـ حتى تفرغ من كل ما هو قيم وثمين، كل ذلك لأن الغزاة يعرفون جيداً قيمة العلم في دين الإسلام، ويعرفون قيمة المسلمين إذا ارتبطوا بالعلم ([2])،
وبعد أن فرغ [1] قصة التتار صـ161. [2] قصة التتار صـ 163 ..
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 201