اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 159
ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلف أحقاداً كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شئ. انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يفتح البلاد كان يولي زعماء هذه البلاد عليها ويحفظ لهم مكانتهم ويبقي لهم ملكهم، فيضمن بذلك ولائهم وحب الناس له، فأبقى على حكم البحرين ملكها المنذر بن ساوي، وأبقى على حكم عمان ملكيها جيفر وعباد، بل وأبقى على اليمن واليها باذان بن سامان الفارسي عندما أسلم وهكذا، وهذا بخلاف ما فعله السلطان علاء الدين محمد الخوارزمي، فقد كان حاكماً بقوته لا يحبه الناس، فلما احتاج إلى الناس لم يجدهم، ولما احتاج إلى الأعوان افتقر إليهم، ولم تكن الصراعات بين الخلافة العباسية والدولة الخوارزمية فقط، بل قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية، ومكايد كثيرة ومؤامرات عديدة، فلم تتوحد القلوب بهذا البلد، وانعكس ذلك على الصفوف، وكانت النتيجة الهزيمة الساحقة أمام المغول، وما كان للنصر أن يتحقق والأمة على هذا النحو ([1])،
قال تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" الصف آية، 4، وأما جلال الدين عندما دخل أخلاط التابعة للأيوبيين عام 627هـ وضع السيف في أهلها وفعل في ذلك فعل التتار، فقتل كل من وجد في البلد، فكانوا قد قلوا، فبعضهم كان فارق خوفاً بعد الحصار الأول، وبعضهم مات في البلد جوعاً، وبعضهم صعد إلى القلعة مع من صعد إليها من الأمراء والأجناد، وكانت الأقوات قد قلت، بل عدمت بأخلاط، حتى أكل أهلها البغال والكلاب والسنانير، كان يصطادون الفأر ويأكلونه، وصبروا صبراً لم يصبرها محاصر خوفاً من جلال الدين وما يعرفونه منه من إقدامه على سفك الدماء، ولما فتحت سبي عسكره الحريم، وباعوا الأولاد كما يفعل بالكفرة، ونهبت الأموال، وجرى منه نظير ما جرى من التتار، فلا جرم أن الله سبحانه عاقبه ببغيه ولم يمهله وقلع شأفته ([2])،
كان الأجدر به عدم الدخول في صراع مع القوى الإسلامية في الشام وغيرها، وكان عليه أن يعمل على لملمة الدولة ويبني جيشه على أسس عقائدية وأخلاقية، لقد كان جلال الدين يفتقد للحكمة والبعد السياسي ومكارم الأخلاق، التي يستطيع أن يكسب بها الأبطال والقادة والملوك، ولم يكن جلال الدين رجل المرحلة المطلوبة، وسترى بإذن الله تعالى الفرق الكبير بين جلال الدين منكبرتي وصفات سيف الدين قطز الذي حقق الانتصار على [1] قصة التتار صـ39 .. [2] مفرج الكروب (4 ـ 296) ..
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 159