اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 157
والذلة، وانتهاك الأعراض، ولا شك أن العالم الإسلامي كله ولا سيما الجزء الشرقي منه وقع تحت هذه الفتنة العمياء على بكرة أبيه، إن المؤرخ يشغل بتسجيل كل لون من ألوان الأحداث والوقائع، وتمر به مناظر كثيرة لإبادة الأمم والبلدان حتى يتعود احتمال كل ذلك، فيجري قلمه بتسجيل هذه الحوادث من غير أن يرق له قلبه، وتدمع له عينه، ولكن المؤرخ الشهير ابن الأثير لم يتمكن من إخفاء شعوره الجريح وتألمه النفسي حينما وصل إلى ذكر حادث التتار (1)
حيث قال: لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخر رجلاً، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذلك؟ ويا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسياً منسياً، إلا أني حثَّني جماعة من الأصدقاء على تسيطرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى، والتي عقمت الأيام والليالي عن مثلها وعمت الخلائق وخصًّت المسلمين، فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا مثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا يُدانيها، ولعل الخلق يرون مثل هذه الحادثة، إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا ألا ياجوج وماجوج، وهؤلاء لم يُبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنَّة، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لهذه الحادثة التي استطار شررُها وعمَّ ضررُها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الرياح ([2])،
ويقول مؤلف ((مرصاد العباد)) الذي شهد هذه الوقعة بعينه وما دار في مولده الري وموطنه همدان من حوادث فظيعة بعينه ومن التخريب والتدمير: استولى الجيش التتاري ـ خذلهم الله ودمرهم ـ سنة 618هـ على بلاد الإسلام، لا يعرف نظير لما قام به هؤلاء الوحوش من الفتنة والإفساد، والقتل والهدم والإحراق وما ظهر من أولئك الملاعين من فظائع تقشعر منها الجلود في أي عصر من عصور التاريخ، لا في الإسلام ولا في الجاهلية، فقد قتلوا وأسروا في ((ري)) وحدها التي هي مولودي أكثر من سبعمائة ألف مسلم، إن الفتنة التي أثاروها في العالم الإسلامي والمصيبة التي أنزلوها على المسلمين لا تسع الكلمات أن تصورها، وهذه الحادثة أغنى من أن تشرح للناس، وعياذاً بالله، إذا لم تتحرك حميَّة الإسلام وغيرته في
(1) المصدر نفسه .. [2] الكامل في التاريخ (12/ 147 ـ 148) رجال الفكر والدعوة في الإسلام (1/ 283) ..
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 157