اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 138
نادرة، وصفها ابن الأثير بقوله: اعترفوا كلهم أن كل ما مضى من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال ([1])،
وكان هدف جلال الدين من هذا القتال اليائس إحداث ثغرة في صفوف المغول، يتيسر له ولجيشه الهرب منها، غير أنه اضطر إلى أن يولي وجهه شطر نهر السند، وقذف بنفسه وبحصانه فيه من ارتفاع عشرين ذراعاً، واستطاع بهذه الوسيلة أن يعبر النهر إلى الجانب الشرقي، وقد قتل عدد كبير من جنوده وغرق أولئك الذين حاولوا العبور إلى الضفة الشرقية، كما أسر أحد أبنائه وكان في السابعة من عمره، ثم قتله جنكيز خان بين يديه، ولما اقترب جلال الدين من نهر السند، رأى والدته وأم ابنه وحريمه يصحن بالله عليك اقتلنا وخلصنا من الأسر، فأمر بهن فغرقن، وهذه من عجائب البلايا ونوادر الرزايا [2]. ومن الطريف أن جلال منكبرتي احتفظ بذلك الجواد الذي عبر به نهر السند، وكان سبباً في إنقاذ حياته دون أن يركبه حتى استعاد بلاده بعد رحيل جنكيز خان عنها. وكانت الجيوش المغولية تتوق إلى اللحاق بجلال الدين، وهمَّ كثير منهم بعبور النهر غير أن جنكيز خان أسرع ومنع جنوده من تنفيذ هذا العمل، ولما علم جنكيز خان أن عدوه قد أمر بأن يلقي كل ما كان يملكه من ذهب وفضة في نهر السند حتى لا يقع غنيمة سهلة في يد المغول، أرسل بعض رجاله فغاصوا في النهر وأمكنهم أن ينتشلوا بعض هذه الأموال [3]. وبرغم حرج موقف الخوارزميين في هذه الموقعة، ورغم تلك الهزيمة التي حلت بالسلطان الخوارزمي وجنوده، استطاع أربعة آلاف من الجنود الخوارزميين أن ينجوا بأنفسهم بعبورهم من الضفة الشرقية حيث وصلوا، حفاة عراة، كأنهم أهل النشور حشروا فبعثوا من القبور [4]. ومن الطبيعي أن يفرح السلطان جلال الدين بلقاء هذا العدد من جنوده ([5])،
وما لا شك فيه أن جلال الدين، في الفترة التي قضاها في بلاد الهند، كثيراً ما كان يظهر بمظهر الكسير الذليل من هول ما أصاب دولته عامة، وأصابه خاصة، بعد موقعة السند وقد نظم ابن الوردي أبياتاً وصف فيها جلال الدين ودولته وكيف انحدر هو ودولته إلى هاوية عميقة، بعد أن قدر لهذه الدولة أن تصل إلى ذروة المجد وقد جاء في هذه القصيدة ما يلي:
من ملك الدنيا ودانت له ... فالجهل كل الجهل أن يحسدا [1] الكامل في التاريخ (9/ 344)، عودة الروح صـ324 .. [2] تتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي صـ155. [3] الدولة الخوارزمية صـ187. [4] سيرة السلطان جلال الدين صـ85. [5] الدولة الخوارزمية صـ188 ..
اسم الکتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 138