اسم الکتاب : انبعاث الإسلام في الأندلس المؤلف : علي المنتصر الكتاني الجزء : 1 صفحة : 37
ومشجع لكل تنازل وانهزام. وكانت أستجة إحدى المدن الأخيرة التي استسلمت للنصارى أواخر سنة 662 هـ (1263 م).
وكان النصارى ينوون الغدر بابن الأحمر لاستئصال ما تبقى بيده من أرض الأندلس، فاستغاث الأندلسيون بأهل المغرب وقبائله عندما يئسوا من حكامه. وعندما رأى ابن الأحمر ضعف الاستجابة خطا خطوة جديدة في مهادنة طاغية قشتالة، فتنازل له في أواخر سنة 665 هـ (1267 م) عن عدد كبير من الحصون والقرى قدرت بأكثر من مائة موضع. وبذا عقد السلم مع قشتالة.
وقضى ابن الأحمر ما تبقى من حياته في توطيد مملكته وتنظيمها، وتوطين المهاجرين، وعين ولده محمدًا وليًّا للعهد من بعده. ولم تعكر صفوه حروب في أواخر أيامه سوى تمرد مالقة وتحرش النصارى بالجزيرة الخضراء. وتوفي محمد بن الأحمر في التاسع والعشرين من جمادى الثانية سنة 671 هـ (ديسمبر عام 1272 م) عن 76 سنة.
تقلصت دولة الأندلس في أقل من قرن من مساحة مقدارها حوالي 250.000 كيلومتر مربع إلى ما لا يزيد عن 30.000 كيلومتر مربع، وهي المناطق التي تضم اليوم ولايات مالقة وغرناطة والمرية وقسمًا من ولايات قادس وقرطبة وجيان. وهي مناطق جبلية غير قابلة للزراعة جعلت منها العبقرية الأندلسية مركزًا حضاريًّا لا يضاهى زراعة وصناعة ومناعة. ولم يكن ذلك ممكنًا إلا بعبقرية محمد بن الأحمر الذي مهر في سياسة الممكن وتمكن من الظفر بقطعة من الأندلس تجمع شتات الأمة وإن كان ذلك بطرق من الذل لا يمكن أن يتحملها غيره.
وأدّت هذه الأحداث المأساوية إلى تغير جذري في الأمة الأندلسية. فكلما احتل النصارى أراض إسلامية من أراضي الأندلس هاجرت الطبقة المثقفة وأهل الصناعة والحرف إلى ما تبقى من الأراضي الإسلامية، أي غرناطة وأرضها، وبقي عامة الشعب في البلاد، منهم من أجبر على التنصير ومنهم من بقي على دينه، وهؤلاء هم الأكثر.
وأتى النصارى بمهاجرين نصارى لتعمير أراضي المسلمين. وهكذا أصبح المسلمون أقلية في عقر دارهم. وكان الأندلسيون يسمون المسلمين الذين بقوا تحت حكم النصارى بالمدجنين. وقد نظم هؤلاء أنفسهم في جماعات إسلامية، وكانوا في كثير من المناطق يكونون أكثرية السكان خارج المدن، خاصة في أراغون وفي منطقة
اسم الکتاب : انبعاث الإسلام في الأندلس المؤلف : علي المنتصر الكتاني الجزء : 1 صفحة : 37