اسم الکتاب : انبعاث الإسلام في الأندلس المؤلف : علي المنتصر الكتاني الجزء : 1 صفحة : 285
للكنيسة والقوى اليسارية. فانسحب إنفانتي من العمل السياسي، ونصح أتباعه بذلك، ورفض المشاركة في المؤسسات الأندلسية الكاذبة التي أسسها النظام، وجعلها في يد اليمينيين. وركز إنفانتي على التفكير في مصير الأندلس، وفي جذور الهوية الأندلسية.
فأدت هذه الحقبة إلى تحول هام في حياته، وبالتالي في مسار الحركة الأندلسية.
ففي 15/ 9 / 1923 م، في ذروة معارك الريف، قرر إنفانتي زيارة قبر المعتمد ابن عباد في أغمات بالمغرب، رغم المخاطر. فصحبه رجل اسمه بيدال، وموسى بن عبد المؤمن، ترجمان مسلم من وهران. وصل إنفانتي إلى أغمات، وزار قبر الأمير الأندلسي، وشعر بانطواء الزمن، وحلم برهة وكأن سنين الآلام لم تكن، ولم يكن اضطهاد للشعب الأندلسي، ولا قُضي على شخصيته ودينه ولغته وهويته وأرضه وكرامته وعرضه وشرفه، ولم تكن هناك لا قشتالة ولا كنيسة. وتعرف إنفانتي في أغمات على بعض أبناء الأندلس، منهم عمر الدكالي ورجل ينحدر من بني الأحمر، فأشهر بلاس إنفانتي على يديهما إسلامه، وبكى من عظمة اللحظة، فأهداه صديقاه جلبابًا وخنجرًا، هديتين رمزيتين ظلتا مع بلاس إنفانتي إلى آخر حياته، الأولى إعادة لما عمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بإعطاء برده عليه السلام إلى كعب بن زهير عندما قال: إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول والثانية شعارًا للنضال الذي ينتظر إنفانتي من أجل تحرير الشعب الأندلسي من الشتات والضياع والمسخ الثقافي والحضاري، وإرجاعه إلى أصالته وينابيعها الإسلامية. وحاول إنفانتي بعد إسلامه ربط الحركة الأندلسية بالحركات الإسلامية والعربية.
ابتدأ إنفانتي، عند رجوعه إلى إيسلا كريستينا بكتابة "جذور الفلامنكو وأسرار الكانتي هوندو". وهو كتاب برهن فيه عن الجذور الإسلامية للأغنية "الفلامنكية" و"الهوندية"، وأنها تعبير لآلام وصيحات الشعب الأندلسي المظلوم أمام إرهاب محاكم التفتيش وتسلط الدولة الإسبانية. وبهذا يكون "الفلامنكو" و"الكانتو هوندو" خيطين من خيوط الهوية الأندلسية التي تربط حاضر الأندلس التعس بماضيها المجيد.
وفي صيف سنة 1925 م، رجع إنفانتي مع زوجه إلى منطقة قشريش حيث قضى الصيف مع شقيقه وأهله ووالدتهما. ومرت السهرات في وسط عائلي في الحديث عن الأندلس وأمجادها حول كؤوس القهوة. أما الخمر فلم يكن بلاس إنفانتي يشربه قط، كما كان تام الاستقامة في حياته الخاصة، لا يعرف عنه أي زيغ.
اسم الکتاب : انبعاث الإسلام في الأندلس المؤلف : علي المنتصر الكتاني الجزء : 1 صفحة : 285