اسم الکتاب : تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان - شخصيته وعصره المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 194
الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك إن هذه كانت أمة قاهرة لهم ملك، فلما ضيعوا أمر الله صيرهم إلى ما ترى، سلط الله عليهم السبي، وإذا سلط على قوم السبي فليس لله فيهم حاجة، وقال: ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره!! [1].
إن ما تفوه به أبو الدرداء يعتبر مثلا للبصيرة النافذة والفقه في أمر الله تعالى، فهذا الصحابي الجليل يبكي حسرة على هؤلاء الذين أعمى الله بصائرهم، فلم ينقادوا لدعوة الحق فباءوا بهذا المصير المؤلم؛ حيث تحولوا من الملك والعزة إلى الاستسلام والذلة لإصرارهم على لزوم الباطل والتكبر على الخضوع لدعوة الحق، ولو أنهم عقلوا وتدبروا لكان في دخولهم في الإسلام بقاء ملكهم وعمران ديارهم والظفر بحماية دولة الإسلام، وإن هذا التفكير العميق من أبي الدرداء مظهر من مظاهر الرحمة والعطف تفتحت عنه نفسه الزكية، فتشكل ذلك في الظاهر على هيئة دموع تنحدر من عيني هذا الرجل العظيم، ليعبر عما يجول في نفسه من نظرات الحنان والرحمة والأسى على مصير تلك الأمة التي اجتمع لها البقاء على الضلال والمآل السيئ بزوال الملك والوقوع في الذل والهوان، وإنه بقدر ما يفرح المسلم بدخول الناس في الإسلام فإنه يحزن من رؤية الكافرين وهم يعيشون في ضلال مع إدراكه ما ينتظرهم من العذاب الأليم المؤبد في الآخرة، فكيف إذا أضيف إلى ذلك وقوعهم في الأسر والتشرد وتعرضهم للقتل في الحياة الدنيا؟ (2)
ثامنًا: عبادة بن الصامت يقسم غنائم قبرص:
قال عبادة بن الصامت لمعاوية -رضي الله عنهما-: شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة حنين والناس يكلمونه في الغنائم، فأخذ وبرة من بعير وقال: «ما لي مما أفاء الله عليكم من هذه الغنائم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم»، فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها، ولا تعطِ منها أحدا أكثر من حقه، فقال له معاوية: قد وليتك قسمة الغنائم، وليس أحد بالشام أفضل منك ولا أعلم، فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها. فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو أمامة [3].
* * * [1] البداية والنهاية (7/ 159)
(2) التاريخ الإسلامي (12/ 397). [3] الرياض النضرة في مناقب العشرة، لأبي جعفر أحمد، الشهير بالمحب الطبري، ص561.
اسم الکتاب : تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان - شخصيته وعصره المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 194