اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 409
المصنف حاول أن يكون هذا الكتاب - كمرشد ومرب - مغنياً عن غيره، قائماً مقام المكتبة الإسلامية؛ لذلك جعله يحتوى على العقائد، والفقه وتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، والحصول على مرتبة الإحسان [1].
ولكن مما يُلاحظ أن كثيراً ممن يقتصر على مطالعة هذا الكتاب، أو يكثر من قراءته ويشغف به، ينشأ عنده غُلوٌّ في الزهد والتقشف، ومخالفة النفس في المباحات، والكراهة للحياة، والإكثار من الرياضات والمجاهدات؛ حتى تتأثر بذلك صِحَّته وعقله، خصوصاً في هذا العصر الذي ضَعُفت فيه القِوى والأجسام، لذلك يَمنعُ بعض المربين الحكماء عن مطالعة هذا الكتاب في بداية الحال، خصوصاً الذين عندهم تأثُّر قويٌّ وانفعال سريع، لعل السبب في ذلك أن الغزالي صنَّفه في حالة قد غلب عليه فيها الخوف والهيبة، وكان متأثراً شديد التأثر، فجاء كلامه صورة نفسيَّته وتأثره، وقد جمع فيه أقوالاً كثيرة في الزهد وقهر النفس وعصيانها، لا تخلو من المبالغة والإسراف، والحق أن السيرة النبوية - ويدخل فيها الحديث الصحيح - على صاحبها الصلاة والتحية - هي المدرسة الوحيدة التي تربي تلاميذها على الاعتدال الكامل والتوازن الصحيح. و «كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر» [2]، ويُمثل ذلك بعض التمثيل قدوة دينية تجمع بين العلم الراسخ، والسيرة المستقيمة، والقلب الحي النابض قد تشَّرب السيرة وتذوق السنة، وذاق حلاوة الإيمان، وحاز اليقين، ولم يزل ولا يزال الدين يؤخذ من الأحياء ويقوم بالأحياء، ولم يكن الإنسان في دور من الأدوار غنياً عن القدوة والصحبة [3]، ورغم ما تُعقب على الغزالي في الإحياء من إيراد أحاديث ضعيفة بل موضوعة في كثير من الأحيان، وأشياء من كلام الصوفية الممعِنة في الغلو، وهضم النفس وترك المباحات وقد لا يتفق مع أصول الدين، ومع ما ورد فيه من مواد كلام الفلاسفة .. إلى غير ذلك من مآخذ تعقبها العلامة الحافظ ابن الجوزي (4)
وشيخ الإسلام ابن تيمية، مع اعترافهما بفضل الكتاب فإن كتاب الإحياء في مقدمة الكتب الإسلامية، التي انتفع بها خلائق لا تحصى في كل عصر وجيل، وأثَّرت في النفوس تأثيراً لا يُعرف إلا عن كتب معدودة، ولا يزال الكتاب الذي يكثر قراؤه والمعجبون به والمتأثرون به في أكثر البلاد، ولا يزال ثروة زاخرة في الدين، ومصدراً قوياً من مصادر الإصلاح والتربية. [5] وخلاصة القول في كتاب الإحياء أنه من صنع البشر، ولا يعيبه وجود [1] رجال الفكر والدعوة (1/ 232). [2] من كلام الإمام مالك .. رجال الفكر والدعوة (1/ 233). [3] رجال الفكر والدعوة (1/ 233).
(4) المنتظم (9/ 169 - 170). [5] رجال الفكر والدعوة (1/ 234).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 409