responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 395
العلماء والسلاطين والأمراء، بل إنه استعرض المجتمع الإسلامي المعاصر كُلَّه، فذكر ما انتشر فيه من بدع ومنكرات وأوهام ومغالطات، ويدل كتاب الإحياء على أنه - وإن كان نشأ نشأة علمية وعاش بين الكتب والتلاميذ - كان متصلاً بالمجتمع اتصالاً وثيقاً، وقد درسه دراسة عميقة، وكان واسع الإطلاع على المدنيَّة في عصره، وأساليب الحياة، وأجواء الطبقات. وأن ما ذكره من أخلاق مختلف الطبقات وِعللها ليدل دلالة واضحة على قوة ملاحظته، ودقَّة نظره. وقد عقد في كتابه بابًا مستقلاً في المنكرات المألوفة في العادات والتقاليد التي ألِفها الناس، فلا يشعر كل واحد بأنها منكرات دخيلة على الحياة الدينية، وقد دقَّق فيها واستوعبها استيعاباً لا يقدر عليه إلا من عاشر الناس معاشرة طويلة، وخبر الحياة ودرسها دراسة واسعة عميقة ذكر فيها منكرات المساجد ومنكرات الأسواق ومنكرات الشوارع ومنكرات الحمامات، ومنكرات الضيافة والمنكرات العامة [1]. وخصَّص الغزالي جزءاً من الكتاب بذم الغُرور، ذكر فيه أصناف المغترين وفرق كل صنف، ذكر منهم المغترين من أهل العلم وفِرَقهم, والمغترين من المتصوفة، والمغترين من أرباب الأموال وفرقهم، وقد ذكر منافذ الشيطان ومداخل النفس في هذه الطبقات وأصنافها، وذكر في أفكارهم ومزالقهم وعقدهم النفسية مالا يطَّلع عليها إلا عالم كبير من علماء النفس، ومصلح اجتماعي ذكي له تجارب طويلة ونظر نافذ [2]. وقد انتقد العلماء والمشتغلين بالعلم في غُلوهم في الإكثار من الجزئيات الفقهية، والخلافيات، والكلام والجدل، والتعمق في العلوم الآلية: كالنحو، واللغة، والشَّعر، والغريب، والانهماك به، وانتقد الصوفية بالاكتفاء بحفظ أقوال المشائخ وأخبارهم ...
وذكر من التباسات الصوفية ومبالغاتهم شيئاً كثيراً يدل على إنصافه وتدقيقه [3]. وقد ذكر عن المغترين من أرباب الأموال طرائف وحقائق تدل على النظر العميق، والفهم الديني الصحيح يقول: ربما يحرصون على إنفاق المال في الحج، فيححُّون مرة بعد أخرى، وربما تركوا جيرانهم جياعاً [4]. ويقول: وفرقة أخرى من أرباب الأموال اشتغلوا بها، يحفظون الأموال ويمسكونها بحكم البُخل، ثم يشتغلون بالعبادات البدنية التي لا تحتاج فيها إلى نفقها، كصيام النهار وقيام الليل، وختم القرآن وهم مغرورون لأن البخل المهلك قد استولى على بواطنهم، فهو يحتاج إلى قمعه بإخراج المال, وقد اشتغل بطلب فضائل هو مستغن عنها، ومثاله مثال من دخل في ثوبه حية وقد أشرف على الهلاك وهو مشغول بطبخ السَّكنجين يسكن به الصَّفراء، ومن قتلته الحية متى يحتاج إلى السكنجين؟ ولذلك قيل لبشر الحافي: إن فلاناً الغني كثير الصوم والصلاة؟ فقال: المسكين؛ ترك حاله، ودخل في حال غيره، وإنما حال هذا إطعام

[1] إحياء علوم الدين (2/ 294 - 300).
[2] رجال الفكر والدعوة (1/ 229).
[3] إحياء علوم الدين (3/ 345 - 350).
[4] المصدر نفسه (3/ 351).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 395
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست