responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 360
ولنترك للإمام الغزالي الحديث، فهو خير من يشرح لنا قصته في هذا التحول: ابتدأت بمطالعة كتبهم مثل «قوت القلوب» لأبي طالب المكي رحمه الله، وكتب الحارث المحاسبي، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد ..
فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال، وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعليم، بل بالذوق والسلوك، وكان قد ظهر عندي أنه لا مطمع في سعادة الآخرة إلا بالتقوى، وكفَّ النفس عن الهوى، وأن رأس ذلك كله قطع علاقة القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، وأن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال، والهرب من الشواغل والعلائق, ثم لاحظت أحوالي, فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي -وأحسنها التدريس والتعليم - فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الآخرة، ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير صالحة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه، وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحوال، فلم أزل أفكر فيه مدة، وأنا بعد على مقام الاختيار، أصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة تلك الأحوال يوماً، وأحل العزم يوماً، وأقدم فيه رجلاً، وأؤخر عنه أخرى، لا تصدق لي رغبة في طلب الآخرة بكرة، إلا وتحمل عليها جنود الشهوة جملة فتفترها عشية، فصارت شهوات الدنيا تجاذبني سلاسلها إلى المقام، ومنادي الإيمان ينادي: الرحيل الرحيل، فلم يبق من العمر إلا القليل، وبين يديك السفر الطويل، وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل، فإن لم تستعد الآن للآخرة، فمتى تستعد؟ وإن لم تقطع هذه العوائق فمتى تقطع؟ فعند ذلك تنبعث الداعية، وينجزم العزم على الهرب والفرار، ثم يعود الشيطان ويقول: هذه الحال عارضة، إياك أن تطاوعها، فإنها سريعة الزوال، فإن أذعنت لها وتركت هذا الجاه العريض والشأن المنظوم الخالي عن التكدير والتنغيص، والأمن المسلم الصافي عن منازعة الخصوم، ربما التفتت إليك نفسك ولا يتيسر لك المعاودة، فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، ودواعي الآخرة، قريباً من ستة أشهر، أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة, وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ قفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً للقلوب المختلفة إليَّ, فكان لساني لا ينطق بكلمة واحدة، ولا أستطيعها ألبتة ... ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله تعالى، التجاء المضطر، الذي لاحيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأولاد

اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 360
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست