اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 327
وبين - بعض - من الحنابلة والمحدثين الذين كانوا يتأثمون ويتحرجون من النزول إلى هذا المستوى [1].
3 - العلاقة بين العقليات والحِسَّيات والعقيدة والديانات: كان يعتقد أن المباحث التي تتصل بالعقليات والِحسيات لا صلة لها في الحقيقة بالعقيدة والديانات، ولكنَّ المعتزلة والفلاسفة مزجوا البحث فيها بالبحث في العقيدة، بل جعلوها بذلاقة لسانهم وذكائهم مقدمات للبحث في الدين، بل فارقاً بين الحق والباطل، وكان الأشعري يعتقد أن الفرار من البحث فيها، بحجة أنها لا تتصل بالدين والعقيدة لا يصح، بل بالعكس من ذلك، يجب على من قام لنُصرة السنة أن يواجههم فيها ويثبت مذهب أهل الحق، وكان يعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يسكتوا عن هذه المسائل جهلاً، بل لأن هذه المسائل ما نشأت في عصرهم، ولم تمسَّ الحاجة إلى البحث فيها شأن الفقه والجزئيات الكثيرة التي حدثت بعد عصرهم فتأمل فيها الفقهاء والمجتهدون، وأبدوا رأيهم فيها، واستنبطوا وفرَّعوا وحلوا المشكلات الجديدة، وبذلك عصموا الأمة والجيل الجديد عن الإلحاد والفوضى في العمل والتعطل، كذلك يجب على حراس الشريعة، ومتكلمي أهل السنة، أن يُواجهوا الأسئلة الجديدة التي أثارها المعتزلة والمتفلسفة في موضوع الإلهيات، ويُجيبوا عن الاعتراضات والمطاعن التي يوجهونها إلى أهل السنة ومُطابقتها للعقل والمنطق، وقد ألف في هذا الموضوع رسالة أسماها: استحسان الخوض في الكلام، وقد سار الأشعري في طريقه مجاهداً، ومناضلاً، منتجاً، معرضاً عن سخط - المعارضين - لا يعبأ بما يقال فيه مؤمناً بأنه هو الذي ينفع الدين في عصره ويرد إلى الشريعة الإسلامية مهابتها وكرامتها ويحرس للناشئة دينها وعقيدتها، حتى استطاع بعمله المتواصل، وشخصيته القوية وعقله الكبير، وإخلاصه النادر، أن يردَّ سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد الدين، ويثبت كثيراً من الذين تزلزلت أقدامهم، واضطربت عقولهم وعقيدتهم، وأن يوجد في أهل السنة ثقة جديدة بعقيدتهم، ونشاطاً جديداً في دعوتهم, وزالت سطوة المعتزلة على العقول والأفكار،
واشتغلوا بالدفاع عن الهجوم, وتعرضت حركة الاعتزال ودعوتها للخطر، وقد خمدوا وانطفأوا بمعارضة إمام كبير، كأبي الحسن الأشعري [2].
4 - اجتماع أهل السنة على المعتزلة وأهل البدع: دخل أهل السنة والجماعة في صراع جدلي عنيف في القرنين الثاني والثالث مع المخالفين الذين شذوا عن منهج الحق, وقد اشتهر أهل السنة آنذاك بالانتساب إلى الحديث النبوي، فكانوا يسمّون «أهل الحديث» , ولما [1] رجال الفكر والدعوة (1/ 148). [2] رجال الفكر والدعوة (1/ 149).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 327