اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 353
أحيا الذي قد سنّ نور الدين
وزاد ما أمكن من تحسين (1)
ويُعَدُّ صلاح الدين أوّل من أدخل مثل هذه المواضع على مصر. قال القلقشندي: وأما الخوانق والربط، فممّا لم يُعهد بالديار المصرية، قبل الدولة الأيوبية، وكان المبتكر لها صلاح الدين بن أيوب [2]، ووافقه في ذلك المقريزي والسيوطي وغيرهما: إن صلاح الدين أوّل من أنشأ خانقاه للصوفية بمصر، ووقّف عليها أوقافاً كثيرة، وكان سكّانها يُعرفون بالعلم والصلاح، ووُليّ مشيختها الأكابر، وممن تُرجى بركتهم مع ما كان لهم من الوزارة، والإمارة، وتدبير الدولة، وقيادة الجيوش، وتقدمة العساكر [3]، وقد استرعت هذه الأمور الرّحالة الأندلسي ابن جبير أثناء رحلته إلى المشرق فقال: ومن مناقب هذا البلد (مصر) ومفاخرة العائدة في الحقيقة إلى سُلطانه المدارس والمحارس الموضوعية لأهل الطلب والتعبد .. وهذا السلطان الذي سنّ هذه السنن المحمودة هو صلاح الدين، هو صلاح الدين المظفر وَصَل الله صلاحه وتوفيقه [4]. وكان- رحمه الله - أينما حلّ ونزل يبني المدارس الشرعية والخانقاوات، جنباً إلى جنب، فخلال فتح صلاح الدين القدس سنة (583هـ) أمر المسلمين بالمحافظة على كنيسة القيامة، وبنى بالقرب منها مدرسة للفقهاء الشافعية ورباطاً للصلحاء الصوفية، ووقف عليها وقوفاً، وأسدى بذلك على الطائفتين معروفاً [5]. وفي فتحه لعكّا، وقف نصف دار "الإستبار" رباطاً للصوفية، ونصفها مدرسة للفقهاء [6] ولا نجد غرابة من صلاح الدين في فعل مثل هذه الأشياء، لا سيما إذا علمنا أنّ الفريقين قد رافقوه في معاركه وفتوحاته ويبرز المؤرخون لنا هذا الحضور، وخاصّة فتح القدس قال ابن خلكان: وكان فتحه عظيماً، شهده من أهل العلم خلق، ومن أرباب الخرق والزهد عالم [7].
ويُعزّز هذا الكلام، قول ابن الوردي في تاريخه: وشهد فتحه كثير من أرباب الخرق والزهد والعلماء في مصر والشام، بحيث لم يتخلّف منهم أحد [8]، وقد كان صلاح الدين يصحب معه علماء الصوفية لأخذ الرأي والمشورة، فضلاً عن أنّ وجودهم يُعتبر حافزاً قوياً للمريدين
(1) المصدر نفسه ص 104. [2] صبح الأعشى (3/ 417). [3] الخطط (2/ 415) البطولة والغداء ص 104. [4] رحلة ابن جبير ص 46 البطولة والفداء ص 105. [5] الفتح القسي والفتح القدسي ص 145. [6] وفيات الأعيان (7/ 179). [7] تتمة المختصر في أخبار البشر (2/ 147). [8] البطولة والفداء عند الصوفية ص 106.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 353