اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 305
وتكريس الأعوام الباقية من حياته لمدرسته الفاضلية، ولا شكّ في أن اعتزاله السياسة في هذه الفترة يعود إلى أسباب عدة منها: أنه فقد بوفاة صلاح الدين الرجل الذي فيه وضع كل آماله وتوصل في عهده إلى مركز عالٍ لم يكن غيره يحلم بالوصول إليه في عهده، كما كرس قسماً كبيراً من حياته في نصحه وإرشاده ووهبه كل ما في وسعه من محبة وإخلاص، حتى أصبح لا يطيق الابتعاد عنه في حياته، فكيف بعد موته وافتقاده صلاح الدين ويأسه من الحياة بعد موته ظاهرات في عدد من رسائله التي أشار فيها إلى أمنيته بلقاء صلاح الدين في الآخرة: وما بايعنا الدنيا على أنّا خالدون فيها مع الأحبّة ولا أن الموت غير زايرنا وإن أطال الغبّة، والأحبّة الراحلون عنّا، إن اشتقنا إليهم فإنّ الأيام مراحلنا التي تدينا منهم، والأنفاس خطواتنا التي تخطو بنا نحوهم، فنحن في كل يوم سايرون إليهم، وفي كل يوم قادمون عليهم، فكيف لا ينقص الحزن بمقدار ما ينقُص من المسافة [1]، ولم يترك مناسبة تمر من دون ذكر صلاح الدين، فقد كان إذا رأى معارفه تذكّره، وإذا رأى الناس من حوله وردت صورته لخاطره، ذكر لعماد الدين في إحدى رسائله قوله: وَلِسَلْوة الأيام موعد هو الحشر، وأن ليلة لقائه هي ليلة القدر، ولقد حيَي فطابت الحياة، وتوفاه الله فطابت الوفاة وإن امرءاً يحسن به الضدان وَهُما ما هما، ومولى يطيب به الطوران، والحياة بالطيب أولاهما، لمعزوره فيه القلوب إذا خضعت تحت وطأة الخفقان، والجفون إذا أمردت عليها مؤرة الهملان [2].
كما أنه لم يعد المحرك السياسي للدولة بعد وفاة صلاح الدين، فقد تقسمت الدولة وتقسمّ العمل الذي كان يقوم به زمن صلاح الدين بين أشخاص عديدين، بينهم أشخاص لم يكن راضياً عن تصرفاتهم، زمن تنفّذه، كصفي الدين بن شكر وزير الملك العادل، وضياء الدين وزير الملك الأفضل، الذي حاول أن يبعده عن أصحاب أبيه ومستشاريه منذ البداية، ولقد أدرك القاضي الفاضل نهاية مسيرته بوفاة صلاح الدين، وعبّر عن مشاعره ببعض رسائله الإخوانية، يذكر في إحداها: وقد تبّرمت بالحياة، فبعد أن كنت ممن أخدمه بمكان العين صرت بمكان القذاة، والأعمار أكثرها الأكدار إلاّ إن أشدّها مؤونة ما كان في أواخر المدد حيث يكون المرء في أواخر الجلد [3]. ويمكن القول أنه تبّدد بوفاة صلاح الدين حلم كبير كرّس القاضي الفاضل له قسطاً كبيراً من حياته، فقد تقسّمت البلاد التي طالما سعى لتوحيدها وتقويتها بين أبناء صلاح [1] المصدر نفسه ص 344. [2] المصدر نفسه ص 344. [3] القاضي الفاضل ص 345.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 305