اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 300
فيجلسون ومعهم قرّاء القصر، والخطباء، فيدخل الوزير في صدر المجلس وعلى جانبيه القاضي والداعي، ويشرع القّراء في تلاوة القرآن نوبة نوبة والجميع خشوع، وما أن ينتهون من قراءتهم حتى يقوم الشعراء، وهم عادة من غير شعراء القصر، فينشدون أشعاراً أعدّوها لهذه المناسبة المهمة وكانت أشعارهم رثاء أهل البيت، فإن كان الوزير رافضياً تغالوا، وإن كان سنّياً اقتصدوا.
ويظلون على هذه الحال مدة ثلاثة ساعات، وبعد الانتهاء من القراءة والإنشاد كانت تأتيهم رسل الخليفة تستدعيهم، فيغادر أول من يغادر الوزير وهو بمنديل صغير إلى بيته وأما قاضي القضاة والداعي ومن رافقهما فيذهبون إلى باب الذهب من القصر، حيث يرون منظراً يختلف عمّا تعوّدوا عليه، فالسجاجيد الثمينة قد طويت لتحل محلّها حصر بسيطة، وصاحب الباب جالس ينتظرهم. فيجلسون، والناس من وجهاء البلد والعلماء والفقهاء والعسكر حولهم أو بجانبهم، فيقرأ قّراء القرآن ثانية، كما ينشد المنشدون فيُكون الحاضرين ثانية ثم يفرش سماط الحزن وفيه نحو ألف زبدية من العدس والملوحات والمخلّلات والأجبان والألبان وأعسال النحل والفطير والخبز المغير لونه بالقصد. ووقت الظهر يقف صاحب الباب وصاحب المائدة فيُدخلان الناس للأكل، فيكون أول الداخلين القاضي والداعي ويجلس بقربهما صاحب الباب نيابة عن الوزير، ثم يدخل من يريد أن يأكل من الناس، وبعد الانتهاء من الأكل يغادر الجميع القاعدة ويطوف النائحون في القاهرة، ويغلق التجّار حوانيتهم حتى العصر ثم يفتحونها [1]. وتعود الحياة إلى طبيعتها بعد هذه البدع.
ولكم اشترك القاضي الفاضل في هذه الاحتفالات بحكم عمله وقربه من المؤسسة الفاطمية، لكنَّ هذه العاشوراء اختلفت عما تعود المصريون عليه، فليس، هناك قاضي قضاة، ولا داعي دعاة لأنهما عُزلا، وليس هناك منشدون ولا نائحون يطوفون في شوارع القاهرة، لأن اليوم كان معّداً لنوع آخر من الاحتفال، وهو الاحتفال بالقضاء على هذه الطقوس والمراسيم التي مارسها المصريون أكثر من مائتين عام، والقضاء على واضعي هذه الطقوس والمراسيم بشتى رموزها ومفاهيمها، ولم يذهب صلاح الدين إذا إلى المشهد الحسيني - المزعوم - كعادة الوزير، بل ذهب إلى جامع عمرو بن العاص للصلاة فصلّى ومعه عدد من أهالي الشام ومصر، وجلس بعد الصلاة جانباً وبقربه القاضي الفاضل يتباحثان فيما أنجزاه منذ الجمعة السابقة التي تّم فيها إلغاء الخلافة الفاطمية، وأثبتت فيها الدعوة للخليفة العباسي فدخل أحد الجنود مسرعاً وتوجّه إليهما وقال لهما شيئاً وخرج، فنظر كل من صلاح الدين والقاضي الفاضل أحدهما إلى الآخر فغمز القاضي الفاضل إليه وابتسما ابتسامة ارتياح وحبور، ثم سرعان ما غيّر صلاح الدين تعبير وجهه، وقال: لو عرفنا أنه، أي الخليفة [1] الخطط (1/ 431 - 432 - 490).
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 300