responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 244
الأفعال الجميلة عنها، المستتبعة للمدح شرعاً، وعقلاً وعُرْفا [1]، وقال ابن القيم: وحقيقة المروءة: تجنُّبُ للدّنايا والرَّذائل من الأقوال، والأخلاق، والأعمال فمروة اللسان: حلاوته وطيبه، ولينه، واجتناء الثَّمار منه بسهولة ويسر، ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض، ومروءة المال: الإصابة ببذله في مواقعة المحمودة عقلاً، وعُرفاً، وشرعاً، ومروءة الجاه: بذله للمُحتاج إليه. ومروءة الإحسان: تعجيله، وتيسيره وتوقيره وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مُرُوءَة البذل وأما مروءةُ الترك: فترك الخصام، والمعاتبة، والمطالبة، والمماراة [2].

قال الشاعر:
إني لتُطرِ بُني الخِلاَلُ [3] كريمة ... ج
طرب الغريب بأوبه وتلاق ... وتَهُزّنُي ذِكرى المروءةِ والنَّدى
بين الشمائل هِزَّة المشتاق (4)

ولقد كان السلطان صلاح الدين كثير المروءة، نديَّ الوجه، كثير الحياء، مبسوط الوجه لمن يرد عليه من الضيوف، لا يرى أن يفارقه الضيف حتى يطعم عنده، وما يخاطبه في شيء إلا وينجزه وكان يكرم الوافد عليه، وإن كان كافراً، يقول القاضي ابن شداد: ولقد رأيته وقد دخل عليه صاحب صَيْدا بالنَّاصرة، فاحترمه وأكرمه، وأكل معه الطعام، ومع ذلك عرض عليه الإسلام فذكر له طرفاً من محاسنه وحثَّه عليه، وكان يُكرم من يرد عليه من المشايخ وأرباب العلم والفضل وذوي الأقدار، وكان يوصينا بأن لا نغفل عمَّن يجتاز بالخيم من المشايخ المعروفين حتى يحضرهم عنده وينالهم من إحسانه، ولقد مّر بنا سنة أربع وثمانين وخمسمائة رجل جمع بين العلم والتصّوف وكان من ذوي الاقتدار، وكان مشتغلاً بالعلم، وحجّ ووصل زائراً لبيت الله المقّدس. ولما قضى لبُانته منه، ورأى آثار السُّلطان فيه، وقع له زيارته، فوصل إلينا في العسكر المنصور، وما أحسست به إلا وقد دخل عليّ في الخيمة، فلقيتُه ورحبتُ به، وسألته عن سبب وصوله، فأخبرني بذلك وأنه يؤثر زيارة السُّلطان لما رأى من الآثار الحميدة الجميلة فعرَّفت السُّلطان تلك الليلة وصول هذا الرّجل، فاستحضره وروى عنه حديثاً، وشكره عن الإسلام وحثّه على الخير، ثم انصرفنا، وبات عندي في الخيمة، فلّما صلَّينا الصبح أخذ يودّعني فقَّبحت له المسير بدون وداع السُّلطان، فلم يلتفت ولم يَلوِ على ذلك.
وقال: قضيتُ حاجتي منه، ولا غرض لي فيما عدا رؤيته وزيارته، وانصرف من

[1] التعريفات للجُرجاني ص 111.
[2] تهذيب مدارج السالكين (2/ 697 - 699)
[3] الخلال: جمع خاَّة وهي الخَصْلةٌ والصَّفة.
(4) ديوان المروءة لأحَّمد بركات، الأخلاق بين الطبع والتطبع ص 196
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 244
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست