اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 243
النّطرون، وهو مكان بينه وبين يافا للعسكر مرحلتان للمجّد وثلاث معتادة، وجرد العسكر ومضى إلى قيساريه يتلقّى نجدتهم، عساه يبلغ منها غرضاً، وعلم الإفرنج الذين كانوا بيافاً ذلك، وكان بها الأنكتار [1] ومعه جماعة، فجَّهز معظم من كان عنده في الرّكب إلى قيسارية، خشية على النجدة أن يتم عليها أمر، وبقي الأنكتار في نفر يسير لعلمهم ببعده عنهم وبُعد العسكر، ولما وصل - صلاح الدين - إلى قَيْسَاريَّة، ورأى النجدة قد وصلت إلى البلد واحتمت به، وعلم أنه ما ينال منهم غرضه، سرى من ليلته من أول الليل إلى آخره حتى أتى يافا صباحاً، والأنكتار في سبعة عشر فارساً وتقدير ثلاثمائة راجل، نازلاً خارج البلد في خيمة له، فصبَّحه العسكر صباحاً، فركب الملعون، وكان شجاعاً باسلاً صاحب رأي في الحرب، وثبت بين يدي العسكر، ولم يدخلها البلد فاستدار العسكر الإسلامي، بهم إلا من جهة البلد، وتعبّى العسكر تعبية القتال. وأمر السُّلطان العسكر بالحملة انتهاز الفرصة، فأجابه بعض الأكراد الأمراء بكلام فيه خشونه، حاصلة، تعتّبُ، لعدم التوفير في إقطاعه، فعطف عنان فرسه كالمغُضبَ، لعلمه أنهم لا يعملون في ذلك اليوم شيئاً وتركهم وانصرف راجعاً، وأمر بخيمته التي كانت منصوبة أن قُلعت، وانقضّ الناس عن العدوّ، متيقّنين أن السلطان في ذلك اليوم ربما صلب وقتل جماعة ... ولم يزل السلطان - سائراً حتى نزل بيازور وهي مرحلة لطيفة، فضرُبت له خيمة لطيفة هنالك، ونزل بها، ونزل العسكر في منازلهم تحت صايوانات ([2])،
لطيفة كما جرت العادة في مثل ذلك الوقت، وما من الأمراء إلا من يرعد خيفة، ومن يعتقد أنه مأخوذ مسخوط عليه. قال: ولم تحدّثني نفسي بالدخول عليه خيفة حتى استدعاني. قال: قد خلت عليه وقد وصله من دمشق المحروسة فاكهة كثيرة، فقال: أطلبوا الأمراء حتى يأكلوا شيئاً. قال: فسُرّي عني ما كنت أجده، وطلبتُ الأمراء، فحضروا وهم خائفون فوجدوا من بشره وانبساطه ما أحدث لهم الطُّمأنينة والأمن والسَّرور، وانصرفوا عنه على عزم الرحيل، كأن يجر شيءٌ أصلاً [3]، ولم يكن حلمه - رحمه الله - قاصراً على أتباعه ورعيته وجنده، وإنما تعدى ذلك إلى الأعداء الذين كانوا يحاربونه ويحاربهم [4]، كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى.
سابعاً: محافظته على أسباب المروءة: فالمروءة: هي جِماع مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، وكمال الرُّجولة، فهي تبعث على إجلال صاحبها، وامتلاء الأعين بمهابته وحقيقة المروءة قوة للنفس، مبدأ لصدور [1] الأنكتار: المقصود الملك ريتشارد قلب الأسد. [2] الصايوانات: مفرد صيوان - كلمة فارسية تعني القاء والخيمة .. [3] سيرة الناصر صلاح الدين ص 88. [4] صلاح الدين الأيوبي، علوان ص 149.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 243