اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 69
منظره فأسف لمثله في الخراب، ورأي أن خرابه وإخلاءه غير مستحسن، فأمر باعادة ما أخذ من الغنائم والسبي فردوا، وعاد البلد عامراً، آهلاً بالسكان، بعد أن كان داثراً [1]. وهكذا نجد أن موقف زنكي بالسماح لجنده بالنهب والأسر كان ذا اعتبار عسكري بسبب المقاومة العنيفة تلك الأعمال كان ذا اعتبار سياسي، إذ كان يرمي من وراء ذلك جعل المسيحيين الوطنيين في الرها كتلة واحدة يقيد منها ضد الصليبيين الذين يخالفونهنم في المذهب، ولعله أراد أن يستعين بالمسيحيين الوطنيين بالإضافة إلى الحامية التركية في المحافظة على الرها بعد طرد القوات الصليبية منها [2]. ولذلك اجتهد في مصالح - أهل الرها - ووعدهم باجمال السيرة وبسط العدالة [3]، وعلى هذا الأساس كانت معاملة زنكي لأهل بعلبك وأمرائها بعد أن أعطاهم الأمان، إذ أن ما أتخذه معهم من شد وقسوة قصد به إثارة خوف المقاتلين له من المسلمين في دمشق [4].
ف- علاقة عماد الدين زنكي بجنوده: قامت علاق عماد الدين زنكي بجنده على النظام والطاعة والانضباط من جهة وعلى الود والتعاطف والرأفة من جهة أخرى، بسبب ما قدمه للجند من رواتب حسنة، وما شمل به أهليهم من رعاية واهتمام [5]، وكان عقابه صارماً للمخالفين من جنده سيما إذا كانت مخالفتهم على حساب الرعية [6]، وقد بلغ زنكي من السطوة والنفوذ لدى جنده أنه: إذا ركب مشى العسكر خلفه كأنهم بين خيطين، مخافة أن يدوس العسكر شيئاً من الزرع، ولا يحسر أحد من هيبته أن يدوس عرقاً منه، ولا يمشي فرسه فيه، ولا يحسر أحد من أجناده أن يأخذ من فلاح حفنة من التبن إلا بثمنها، أو بخط من الديوان إلى رئيس القرية [7]، وكان زنكي يقدر الدور الهام الذي يؤديه الجند في خدمة الإمارة لذلك عني بتوفير الراحة والاستقرار للجندي في كل ما يتعلق به، وبخاصة عائلته وزوجته؛ فكان شديد الغيرة على الحريم، لا سيما نساء الجند، فإن التعرض إليهن كان من الذنوب التي لا يغفرها وقد علل ذلك بقوله: إن جندي لا يفارقوني في أسفاري وما يقيمون عند أهليهم، فإن نحن لم نمنع من التعرض إلى حرمهم هلكن وفسدن [8]، ولذلك كان يعاقب المتعرضين للنساء أشد العقاب وقد مّر معنا قصة والي جزيرة ابن عمر التابع لعماد الدين [1] المصدر نفسه ص206. [2] الحروب الصليبية (1/ 8527) العريني. [3] ذيل تاريخ دمشق ص 280. [4] عماد الدين زنكي ص 207. [5] المصدر نفسه ص 209. [6] كتاب الروضتين (1/ 110) عماد الدين زنكي ص 208. [7] زبدة حلب (2/ 283 - 284). [8] الباهر ص 84، عماد الدين زنكي ص 208.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 69