اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 554
فيه - فإلي أين نلتجيء وبمن نحتمي، وكل في هذه الديار من جندي وعامي وفلاح عدوُّ لنا، وبَوَدُّون لو شربوا دماءنا؟ وحُقَّ لعسكر عدتهم ألفا فارس قد بَعُدُوا عن ديارهم ونأى ناصرهم أن يرتاع من لقاء عشرات ألوف، مع أن كل أهل البلاد عدوُّ لهم. فلما قالوا ذلك قام إنسان من المماليك النُّورية يقال له شرف الدين بُزغُش - وكان من الشجاعة بالمكان المشهور - وقال: من يخاف القتل والجراح والأسر فلا يخدم الملوك، بل يكون فلاحاً أو مع النِساء في بيته والله لئن عُدْتُم إلى الملك العادل من غير غَلبة وبلاء تُعذرون فيه ليأخذنَّ إقطاعاتكم وليعودَنَّ عليكم بجميع ما أخذتموه إلى يومنا هذا، ويقول لكم: أتأخذون أموال المسلمين وتفُّرون عن عدوهم، وتسلمَّون مثل هذه الديار المصرية يتصَّرف فيها الكُفَّار؟ قال قال أسد الدين هذا رأي وبه أعمل.
ووافقهما صلاح الدين يوسف بن أيوب، ثم كثر الموافقون لهم على القتال، فاجتمعت الكلمة على اللقاء، فأقام بمكانه حتى أدركه المصريون والفرنج وهو على تعبئة - وهنا برزت عقلية أسد الدين شيركوه وخبرته العسكرية فقد جعل الأثقال في القلب يستكثَّر بها، ولأنه لم يمكنه أن يتركها بمكان آخر فينهبها أهل البلاد ثم إنه جعل صلاح الدين ابن أخيه في القلب وقال له ولمن معه: إن الفرنج والمصريين أنني في القلب فهم يجعلون جَمْرتهم بإزائه وحملتهم عليه، فإذا حملوا عليكم فلا تصدقوهم القتال ولا تهلكوا نفوسكم واندفعوا بين أيديهم، فإذا عادوا عنكم فأرجعوا في أعقابهم واختار من شجعان أصحابه جمعاً يثق إليهم ويعرف صبرهم وشجاعتهم، ووقف بهم في الميمنة، فلما تقابل الطائفتان فعل الفرنج ما ذكره أسد الدين وحملوا على القلب ظناً منهم أنه فيه، فقاتلهم مَنْ به قتالاً يسيراً، ثم انهزموا بين أيديهم، فتبعوهم، فحمل حينئذ أسد الدين فيمن معه على من تخلفَّ من الفرنج الذين حملوا على القلب - من المسلمين والفرنج - فهزمهم ووضع السيف فيهم فأثخن، وأكثر القتل والأسر، وانهزم الباقون، فلما عاد الفرنج من أثر المنهزمين الذين كانوا في القلب رأوا مكان المعركة من أصحابهم بَلقْعاً ليس بها منهم ديَّار، فانهزموا أيضاً وكان هذا من أعجب ما يؤرَّخ: أن ألفي فارس تهزم عساكر مصر وفرنج السَّاحل [1].
ج- حصار الإسكندرية: ثم سار أسد الدين إلى ثغر الإسكندرية وجبى ما في طريقها من القرى والسوَّاد من الأموال، ووصل إلى الإسكندرية فتسلمَّها من غير قتال؛ سلمَّها أهلها إليه فاستناب بها صلاح الدَّين ابن أخيه، وعاد إلى الصَّعيد وتملكَّه وجبى أمواله وأقام به حتى صام رمضان وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا إلى القاهرة وجمعوا أصحابهم وأقاموا عوض من قُتل منهم، واستكثروا، وحشدوا، وساروا إلى الإسكندرية - وبها صلاح [1] الباهر ص 132 - 133، كتاب الروضتين (2/ 13).
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 554