اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 539
بن بدران وعزم على أخذ الخليفة العباسي وترحيله إلى مصر، إلا أن قريشاً تصدى لهذه المحاولة وعهد إلى ابن عمه الأمير محي الدين بن مهارش العقيلي - صاحب حديثة بالتحفظ على الخليفة وتأمين حياته، وعلى الرغم من ذلك فلم يسمح البساسيري للخليفة القائم بأمر بالرحيل إلى حديثة إلا بعد أن أرغمه على كتابة اعتراف بعدم أحقية بني العباس في الخلافة الإسلامية مع وجود بني فاطمة الزهراء عليها السلام ([1])،
ولم يكتف البساسيري بذلك بل استولى على ثوب الخليفة وعمامته وشباكه [2]، وأنفذها إلى الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، وكان البساسيري قد شرع في استخدام طائفة من العوام ودفع إليهم السلاح من دار الخلافة العيّارين وأطمعهم في نهب دار الخلافة ونهب أهل الكرح - الشيعة - دور أهل السنة بباب البصرة، ونهبت دار قاضي القضاة الدّمغاني، وهلك أكثر السَّجلاَّت والكتب الحكيمة وأبيعت للعطارين، ونهبت دور المتعلقين بالخليفة وأعادت الروافض الأذان بحيَّ على خير العمل، وأُذَّن به في سائر جوامع بغداد في الجُمعُات والجماعات، وخطب ببغداد وضربت له السَّكةُ على الذهب والفضة وحُوصرات دار الخلافة واعتقال رئيس الرؤساء أبو القاسم بن المسُلمة ووبخه البساسيري ولامه لوماً شديداً، ثم ضربه ضرباً مبرحاً وأعتقله مهانا عنده ونهبت العامة دار الخلافة، فلا يُحصى ما أخذوا منها من الجواهر والنَّفائس والدَّيباج والأثاث والثياب وغير ذلك مما لا يُحَدُّ ولا يوُصف وفي يوم عيد الأضحى في سنة 450هـ ألبس البساسيري الخطباء والمؤذنَّين البياض، وعليه هو وأصحابه كذلك وعلى رأسه الألوية المستنصرية والمطارد المصرية، وخطب للمستنصر صاحب مصر، والشيعة الرّافضة في غاية السرور والأذان في سائر العراق بحيَّ على خير العمل، وانتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقاماً عظيماً، وغرَّق خلقاً ممَّن كان يعاديه وبسط على آخرين الأرزاق والعطايا ولما كان يوم الانثين ليلتين بقيتا من ذي الحجة أحضر إلى بين يديه الوزير أبو القاسم بن المسلمة الملقّبُ برئيس الوزراء وعليه جُبَّة صوف وطرطور من لبد أحمر وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، فأركب جملاً ([3])،
وطيف به في البلد وخلفه من يصفعه بقطعة من جلد، وحين اجتاز بالكرخ نثروا عليه خُلقْان المداسات وبصقوا في وجهه ولعنوه وسبُّوه وهذه هي عادتهم عندما يتمكنون من مخالفيهم في كل زمان ومكان، وأوقف بإزاء دار الخلافة وهو في ذلك يتلو " قل اللهم مالك الملك [1] الخطط للمقريزي (1/ 439) .. [2] الشباك: هو الشرفة التي يجلس فيها الخليفة ويتوكأ بيديه على حافته. [3] البداية والنهاية (15/ 459) ..
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 539