اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 456
ترتب على هذا التحول وحدة بلاد الشام الإسلامية تحت زعامة نور الدين محمود، فمن الرها شمالاً حتى حوران جنوباً امتدت دولة إسلامية واحدة مركزها دمشق فقبل ذلك الوقت كان المسلمون في الشرق الأدنى الإسلامي منقسمين إلى قسمين منفصلين، قسم في الجنوب أي مصر، وقسم في الشمال أي شمال الشام والعراق، وقد استطاع الصليبيون بفضل موقف حكام دمشق توجيه الضربات لكل قسم من هذين القسمين على انفراد دون أن يتمكَّن القسم الآخر من دفع خطرهم [1].
5 - حقَّق ضمُّ دمشق نوعاً من التوازن بين المسلمين والصليبيون في بلاد الشام، بل فاق في كفة المسلمين رجحانه، فإذا كان الصليبيون قد حَّققوا السيطرة على جميع ساحل بلاد الشام من الإسكندرونة إلى غزة، فإن ضَّم نور الدين محمود لدمشق جعل بلاد الشام الداخلية من الفرات حتى نهر بردي في قبضة إسلامية واحدة، وإذا كان الصليبيون في الشمال قد نجحوا في الاستيلاء على حارم، على الضفة الشرقية لنهر العاصي، فإن ضياع هذه القلعة من المسلمين لا يعادل بأي حال الأهمية العسكرية والمعنوية لدخول نور الدين محمود دمشق [2].
6 - تحقَّق بضمَّ دمشق جانب كبير من أهداف نور الدين محمود الرامية إلى توحيد الجبهة الإسلامية، وكان قد أمَّن المركز المسيطر على طريق وادي العاصي المؤدي إلى أنطاكية، فأضحى بإمكانه عند نشوب الحرب بينه وبين الصليبيين أن يسَّدد ضرباته وفق رغبته إلى الشمال والجنوب بعد أن أنهار الحاجز المنيع الذي كان يفصل حلب عن بيت المقدس، وبعبارة أخرى، أضحت بيت المقدس في متناول يده.
7 - على الرغم من أن ممتلكات الصليبيين تفوق في المساحة وفي الثروة ممتلكات نور الدين محمود، فقد كان له ميزة توحيد الممتلكات تحت زعامة واحدة يقلُّ عن سائر أمراء الصليبيين المتشرذمين، فيما يتعرض له من مناوأة من قِبل أتباعه الطموحين [3].
8 - أخذ نجم نور الدين محمود في الصعود، غير أنه كان شديد الحذر مما منعه في المضي في استكمال انتصاراته لذلك أكَّد من جديد ما كان قائماً من تحالف بين دمشق وبيت المقدس، فقد جددَّ في عام 551هـ/1156م الهدنة لمدة سنتين [4] لم تأخذ نور الدين نشؤة الانتصار وعاطفة العوام ولم يتأثر بغرور الانتصار وإنما علاج الوضع بعقلية القائد المحنك [1] تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 289. [2] الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين ص 289. [3] تاريخ الزنكيين في الموصل ص 290. [4] المصدر نفسه ص 290.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 456