اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 357
3 - ابن عساكر يحث نور الدين على مواصلة الجهاد: عرف عن ابن عساكر تدينه وتعففه واعتكافه وبعده عن إغراءات الدنيا وعزوفه عن المناصب، بالإضافة إلى اعتداده بمكانة العلماء ودورهم الثقافي والسياسي، فلم يتردد ابن عساكر في مخاطبة نور الدين بعد أن أعفى الأخير أهل دمشق من المطالبة بالخشب وبعد فتح مصر في أن يوجه السلطان قصيدة يوجهه فيها إلى ما يجب أن يفعله في المستقبل فيقول:
لما سمحت لأهل الشام بالخشب ... عوضت مصر بما فيها من النشب
وإن بذلت لفتح القدس محتسباً ... للأجر جوزيت أجراً غير محتسب
والأجر في ذاك عند الله مرتقب ... فيما يثيب عليه خير مرتقب
والذكر بالخير بين الناس تكسبه ... خير من الفضة البيضاء والذهب
ولست تعذر في ترك الجهاد ... وقد أصبحت تملك من مصر إلى حلب
وصاحب الموصل الفيحاء ممتثل ... لما تريد فبادر فجأة النوب
فأحزم الناس من قوى عزيمته ... حتى ينال بها العالي من الرتب
وقد بلغت بحمد الله منزلة ... عِلّيةً فأقصد العالي من القرب
فالجد والجد مقرونان في قرن ... والحزم في العزم والإدراك في الطلب
وظهر المسجد الأقصى وحوزته ... من النجاسات والإشراك والصلب
عساك تطفر في الدنيا بحسن ثنا ... وفي القيامة تلقى حسن منقلب (1)
كان نور الدين محمود قائداً متميزاً يملك نظرة قيادية استراتيجية في بناء الدولة فقد جعلها قادرة على تحمل أعباء الجهاد والتحرير، فبمجرد مجيئة للحكم، بدأ ببناء الدولة من جميع جوانبها الإدارية والعمرانية والثقافية والسياسية، فقد كانت مداركه الحضارية واسعة فأقام صروحاً كبيرة فبنى المستشفيات وأقام دار العدل وأهتم بالحياة الثقافية وتنشيطها ومن هنا كان اللقاء بين الحافظ بن عساكر والقائد نور الدين [2] واهتم نور الدين بالبناء الداخلي وكان العلماء عوناً له على ذلك واستطاع أن ينقل نور الدين الموقف بالنسبة للحرب في مواجهة الصليبيين من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم حتى إنه بدأ يعد العدة لخوض المعركة الفاصلة معهم فعمل أولاً على أن يحول دون سيطرتهم على مصر، فعندما أيقن
(1) الخريد للعماد الأصفهاني (1/ 277) ابن عساكر ودوره في الجهاد ضد الصليبيين ص 53. [2] ابن عساكر ودوره في الجهاد ضد الصليبيين ص 46.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 357