responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 187
الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يُجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " (غافر: 39 - 40) [1]. كانت هذه الحقائق قد استقرت في قلب الملك العادل نور الدين محمود الشهيد فترفع رحمه الله عن الدّنيا وحطامها، وزهد فيهما وإليك شيئاً من مواقفه:
1 - قال ابن الأثير: وحكى لنا الأمير بهاء الدين علي ابن الشكري وكان خصيصاً بخدمة نور الدين قد صحبه من الصبا، وأنس به وله معه انبساط، قال: كنت معه في الميدان بالُّرها والشمس في ظهورنا، فكلّما سرنا تقدمنا الظل، فلما عدنا صار ظلنا وراء ظهورنا، فأجرى فرسه وهو يلتفت وراءه
وقال لي: أتدري لأي شيء أجري فرسي وألتفت ورائي قلت: لا، قال: قد شبهت ما نحن فيه بالدنيا، تهرب ممن يطلبها وتطلب من يهرب منها قلت: رضي الله عن مَلك يفكر في مثل هذا وقد أنشدت بيتين في هذا المعنى وهما:
مَثلُ الرزق الذي تطلبه ... مثل الظل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعاً ... وإذا وليّت عنه تبعك (2)
2 - تشبه نور الدين محمود بعمر بن عبد العزيز في زهده وقد كان الأخير حاكم لأقوى دولة على الأرض في زمنه، فكان نور الدين لا ينفق على نفسه وعلى أهله إلا من ملك اشتراه من سهمه من الغنائم وكان يحضر الفقهاء ويستفتيهم فيما يحل له من تناول الأموال المرصدة لمصالح المسلمين فيأخذ ما يفتونه بحله ولم يتعداه إلى غيره البتة [3] قال العماد الأصفهاني: كان رسم نفقته الخاص في كل سنة من جزية أهل الذمة مبلغ ألفي قرطاس [4]، يصرفه في كسوته ونفقته ومأكوله ومشروبه وحوائجه المهمة، حتى أجرة خياطه وطباخه، ومن ذلك المقرر المعين النزر ثم يستفضل ما يتصدق به في آخر الشهر ويفضه على المساكين وأهل الفقر [5].
3 - وأما ما يهدي إليه من الثياب والألطاف وهدايا الملوك من المناديل والسكاكين والمهاميز والدبابيس، وكل دقيق وجليل لا يتصرف في شيء منه بل يعرض نظره عنه وإذا اجتمع يخرجه إلى مجلس القاضي ليحصّل أثمانها الموفورة ويصرفها في عمارة المساجد المهجورة [6].

[1] من أخلاق النصر في جيل الصحابة د. السيد محمد نوح ص 48، 49.
(2) عيون الروضتين في أخبار الدولتين (1/ 261).
[3] الباهر ص 164 دور نور الدين محمود في نهضة الأمة 128.
[4] الكواكب ص 53 - 54 نور الدين محمود ص 39.
[5] نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 39.
[6] البرق ص 143 - 144 نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 40.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 187
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست