اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 360
وجوه قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعزّ نصرك وأعلى أمرك، فما رَدَّ عليهم جواباً حتى دخل المدينة، فقصد المسجد، وعلا المنبر، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ... ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي فخافه فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه، وأردتها على عمل ابن الخطاب، فكانت أشد نفوراً وأعظم هرباً من ذلك، وحاولتها على مثل سنيّان عثمان، فأبت علي، وأين مثل هؤلاء ومن يقدر علىأعمالهم، هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم .. غير أني سلكت بها طريقاً لي منفعة ولكم فيه مثل ذلك، ولكم فيه مؤاكلة حسنة ومشاربه جميلة، ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم، فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه ومهما تقدم مما قد علمتموه قد جعلته دُبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله، فارضوا مني ببعضه، وإياكم والفتنة، فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة [1]، ونلاحظ في هذه الخطبة حرص معاوية رضي الله عنه على أن يكسب ودهم ويحافظ على عهده لهم، ما حافظوا على بيعتهم له [2].
وقد هدأت المدينة بعد بيعة معاوية وأخلدت إلى السكينة، وانصرف أهلها إلى أعمالهم وانقطع أهل العلم إلى رواية ما حفظوه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغدق معاوية الأموال على سراة الناس لاستمالتهم وكان كرم هؤلاء يسع الكثير من أجل المدينة [3] وكان معاوية عند عهده لأهل المدينة وفياً بالسياسة التي رسمها في خطبته عند زيارة المدينة، وكان يقدم من الترغيب أكثر مما يعلن من
الترهيب وكان أكرامه لرجالات المدينة إكراماً يفوق كل وصف، وما قصده أحد في طلب إلا أعطاه. لقد كان يخص وجهاء القوم، ولكن هؤلاء كانوا موزعين لعطايا معاوية، كلما كثرت عطايا معاوية كثر إنفاقهم على أهل المدينة [4]، فقد روي أن معاوية قضى عن عائشة أم المؤمنين ثمانية عشر ألف دينار، وما كان عليها من الدَّين الذي كانت تعطيه الناس [5]، وبعث معاوية إلى أم المؤمنين عائشة بمائة ألف، ففرقتها من يومها، فلم يبق منها درهم، فقالت لها خادمتها: لو اشتريت لنا من ذلك بدرهم لحماً؟ فقالت ألا ذكّرتني (6) [1] البداية والنهاية (11/ 432). [2] المدينة في العصر الأموي محمد شرّاب صـ70. [3] المصدر نفسه صـ71. [4] المدينة في العصر الأموي صـ73. [5] سير أعلام النبلاء (3/ 154).
(6) تذكرة الحفاظ ترجمة 13، سير أعلام النبلاء (3/ 154).
اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 360