اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 192
فحملوا إلى صور مكرمين, وحمل الجميع في المركب, وطابت لهم الريح, فكانوا في اليوم الحادي عشر متعلقين بأرض الروم فقربوا من الخليج, فإذا قد أحكم فمه بالسلاسل والمنعة من الموكولين به, فطرح البطريق, وحمل من وقته إلى الملك ومعه الهدايا والأمتعة وتباشرت الروم بقدومه, وتلقوه مهنئين له بخلاصه من الأسر, فكافأ الملك معاوية على ما كان من فعله في أمر البطريق والهدايا, فلم يكن يستضام أسير من المسلمين في أيامه, وقال الملك: هذا أدهى العرب وأمكر الملوك, ولهذا قدمته
العرب عليها, فأساس أمورها, ولو هَمَّ بأخذي لتمت له الحيلة علي [1]. وهذه القصة دليل على دهاء معاوية رضي الله عنه وحسن سيايته واهتمامه بأمور رعيته والمحافظه على حقوق كل فرد فيها وصيانة [2] كرامته.
4 - عقليته الفذه وقدرته على الاستيعاب:
امتاز معاوية رضي الله عنه بالعقلية الفذة, فإنه كان يتمتع بالقدرة الفائقة على الاستيعاب, فكان يستفيد من كل مايمر به من الأحداث, ويعرف كيف يتوقاها, وكيف يخرج منها إذا تورط فيها, وكانت خبراته الواسعة وممارسته لأعباء الحكم على مدى أربعين سنة, منذ ولاه عمر رضي الله عنه الشام, فكانت ولا يته على الشام عشرين سنة أميراً, وعشرين سنه خليفة [3] , هذه الفترة الطويلة التي تقلب فيها بين المناصب العسكرية والولاية المدينة اكسبتة خبرة في سياسة البلاد, والاستفادة من كل الظروف والأوضاع التي تمر بها, حتى استطاع أن يسير بالدولة عشرين سنة دون أن ينازعه منازع [4] , يقول الشيخ الخضري: أما معاوية نفسه, فلم يكن أحد أوفر منه يداً في السياسة, صانع رؤوس العرب, وكانت غايته في الحلم لا تدرك, وعصابته فيه لا تنزع ومرقاته فيه تزل عنها الأقدام [5] , ومن المعلوم أن السياسة الناجحة تتوقف على القدرة على ضبط النفس عند الغضب, واحتواء الشدائد حتى تنجلي, ولمعاوية في ذلك نصيب وافر -رضي الله عنه - وكانت تلك سياسته مع العامة والخاصة, وهذه طريقه مع الملوك والسوقة, وهذه أمثلة من سياسته في معاملة الناس. [1] الشهب الامعة في السياية النافعة ص 491. [2] المصدر نفسه ص 491 تعليق محقق الكتاب السيد سليمات معتوق الرفاعي رحمه الله. [3] الطبقات الكبرى (7/ 406). [4] الأمويون بين الشرق والغرب (1/ 82). [5] الدولة الأموية للخضري ص 377.
اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 192