اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 193
أ- المسور بن مخرمة رضي الله عنه واعتراضه على معاوية:
عن عروة بن الزبير: أن المسور ابن مخرمة أخبره أنه قدم وافداً على معاوية بن أبي سفيان فقضى حاجته, ثم دعاه فأخلاه فقال: يامسور ما فعل طعنك على الأئمة؟ فقال: المسور دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له. قال: معاوية لا والله لتكلمنَّ بذات نفسك, والذي تعيب عليّ. قال المسور. فلم أترك شياً أعيبه عليه إلا بينته له. قال معاوية: لا بريء من الذنب, فهل تعد يامسور مالي من الأصلاح في أمر العامة, فإن الحسنة بعشر أمثالها؟ أم تعد الذنوب وتترك الحسنات. قال المسور: لا والله ما نذكر إلا ما ترى من هذه الذنوب. قال معاوية: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه فهل لك يامسور ذنب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله؟ قال مسور: نعم! قال معاوية: فما يجعلك أحق أن ترجو المغفرة مني؟ فو الله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تَليِ ولكن والله لا
أُخير بين أمرين, وبين الله وغيره إلا اخترت الله تعالى على ما سواه, وأنا على دين يقبل الله فيه العمل, ويجزي فيه بالحسنات, ويجزي فيه بالذنوب إلا أن يعفو عمن يشاء, فأنا احتسب كل حسنة عملتها بأضعافها, وأوازي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا تحصيها من عمل لله في إقامة صلوات المسلمين, والجهاد في سبيل الله عز وجل, والحكم بما أنزل الله تعالى, والأمور التي ليست تحصيها وإن عددتها لك. قال المسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر لي ما ذكر. قال عروة: فلم يُسمع المسور بعد ذلك يذكرمعاوية إلا استغفر له (1)
وفي هذا الخبر مثل جيد في فن الإقناع ومحاولة إمتصاص غضب المخالفين وتحويل قناعاتهم, فقد استطاع أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه أن يقنع المسور بن مخرمة رضي الله عنه بتقبل سياسته التي يسير عليها, وعاد مادحاً داعياً له بعدما كان منتقداً مهاجما له, وفي هذا الخبر لفتة تربوية من معاوية حيث أبان من العدل في الحكم على المسلم أن ينظر الحاكم عليه إلى حسناته وصوابه مع أن ينظر إلى سيئاته وخطئه, ثم يوازن بين الجانبين, فلعل هذا المسلم الذي برزت أخطاؤه في ذهن من تصدى لنقده تكون له حسنات كثيرة جليلة قد لا تعد أخطاؤه إلى جانبها شيئاً مذكوراً [2].
(1) تاريخ بغداد (1/ 208,209) سير أعلام النبلاء (3/ 151) .. [2] التاريخ الإسلامي (17,18/ 539).
اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 193