اسم الکتاب : إخبار العلماء بأخبار الحكماء المؤلف : القفطي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 45
والعلم أتوا ذَلِكَ الموضع وجلسوا إِلَيْهِ وتناظروا فيما بينهم حَتَّى يستنبطوا مَا أشكل عليهم ويصح لهم مَا شجر بَيْنَهم وكانوا يرون أن مجيئهم إِلَى الموضع الَّذِي فِيهِ عظام أرسطوطاليس يذكي عقولهم ويصحح فكرهم ويلطف أذهانهم وأيضاً يكون تعظيماً لَهُ بعد موته وأسفاً عَلَيْهِ وَعَلَى شدة فراقه وَمَا فقدوه من ينابيع حكمته.
وَكَانَ كثير التلاميذ من الملوك وأبناء الملوك وغيرهم من الأفاضل المشهورين بالعلم المعروفين بشرف النسب وخلف من الولد ابناً يقال لَهُ نيقوماخس صغيراً وابنة صغيرة وخلف مالاً كثيراً ولو أردت استيفاء أخباره وحكمه لجاء مجلدات وفيما ذكرته ههنا مقنع ومناسبة لهذا المختصر وأقول.
اعلم وفقك الله أن الحكماء هم الَّذِين نظروا فِي الأصول الأمور من الموجودات وبحثوا عن أوصاف الخالق الواجبة لَهُ يقدر نظرهم وزعموا تحقيق الأوائل الَّتِي يسموها طبيعيون وإلاهيون .. فأما الدهريون فهم فرقة قدماء جحدوا الصانع المدبر للعالم وقالوا يزعمهم أن العالم لَمْ يزل موجوداً عَلَى مَا هو عَلَيْهِ بنفسه لَمْ يكن لَهُ صانع صنعه ولا مختار أختاره وأن الحركة الدورية لا أول لَهَا وأن الإنسان من نطفة والنطفة من إنسان والنبت من حبة والحبة من نبت وأشهر حكماء هَذِهِ الفرقة تاليس الملطي وهو أقدم من علم بهذه المقالة وسيأتي خبره عند اسمه فِي حرف الثاء إِن شاء الله تعالى وهذه الفرقة ومن يقول يقولها ويتبعها عَلَى رأيها يسمون الزنادقة .. والفرقة الثانية الطبيعيون وهم قوم بحثوا عن أفعال الطبائع وانفعالها وَمَا صدر عن تفاعيلها من الموجودات حيوان ونبات وفحصوا هم خواص النبات وتشريح الحيوانات وتركيب الأعضاء وَمَا نتج عن اجتماعها وتركيبها من القوي فمجدوا الله عزّ وجلّ وعظموه وتحققوا بمخلوقاته أنه فاعل مختار قادر حكيم عليم أصدر الموجودات عن حكمته وقدر عَلَى قدر علمه وإرادته إِلاَّ أنهم لما رأوا قوام الموجودات من الأصول الَّتِي جعلوها مبادئ ورأوا فساد كثيرها عنه انتهائه إِلَى غايته الَّتِي اقتضتها قوة استمداده من الطبائع المتفاعلة حكموا بأن الإنسان كسائر الموجودات وأنه يقيم بقدر استمداده ثُمَّ يتحلل ويفني ويذهب كغيره من الموجودات الكائنة لكونه وأنكروا الرجعة فِي الدار الآخرة والوجود
اسم الکتاب : إخبار العلماء بأخبار الحكماء المؤلف : القفطي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 45