استدللتم عليه بقوله تعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [1] وأجابكم بأنَّها نزلت في كعب بن الأشرف، وبأنَّ الناس فرضوا لأبي بكر لما تولّى الأمر درهمين كل يوم، وكذلك قوله من قال لا أحكم بينكما إلا بجُعْل.
فأقول: أما صورة المسألة فهي أشهر من أن تذكر، بل هي تعلم بالاضطرار فإنَّ حكّام زماننا- لما أخذوا الرشوة- أنكرت عليهم العقول والفطر بما جبلها الله عليه من غير أن يعلموا أنَّ الشارع نهى عنها، ولكن إذا جادل المنافق بالباطل فربما يروج على المؤمن فيحتاج إلى كشف الشبهة.
والجواب عنها: قد عُلِمَ بالكتاب والسنّة والفِطَر والعقول تحريم الرشوة وقبحها.
والرشوة هي ما يأخذ الرجل على إبطال حق وإعطاء باطل، وهذه يسلمها لك منازعك.
وهي أيضاً ما يؤخذ على إيصال حق إلى مستحقه، بل يسكت ولا يدخل فيه حتى يعطيه رشوة، فهذه حرام، منهيٌّ عنها بالإجماع، ملعون من أخذها، فمن ادَّعَى حِلّها فقد خالف الإجماع.
وقوله: بأي شريعة حكمت بتحريم هذا؟ فنقول: حَكمتْ به شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع على ذلك علماء أمته، وأحل ذلك المرتشون الملعونون.
ومن أنواع الرشوة: الهدايا التي تُدفع إلى الحاكم بسبب الحكم ولو لم يكن لصاحبها غرض حاضر، لا أعلم أحداً من العلماء رخَّص في مثل هذا2 [1] جزء من الآية 41 من سورة البقرة.
2 يقصد رحمه الله الرشوة المُجمع على تحريمها التي تُحق باطلاً وتُبْطل حقاً، أما إذا كان لصاحبها عرضاً خاصاً، كأن يكف ظلمه عنه أو يعطيه حقه الواجب فهذه الرشوة حراماً على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها. (انظر مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 582 تأليف محمد بن علي الحنبلي البعلي صححه وعلّق عليه محمد حامد الفقي – ن دار التقوى – بلبيس – ط (1409هـ- 1989م) ، وانظر كشاف القناع=