القبور, وعدلت على السنن المشروع واندرس الأمر الممنوع وهدم رفيع ذلك البناء وبطل ذلك التعظيم والاعتناء وخر شامخ الأحجار ... "[1].
ويفصل المؤرخ ابن بشر رحمه الله في قصة هدم هذه القبة قائلاً: "إن الشيخ أراد أن يهدم قبة قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه التي عند الجبيلة فقال لعثمان2:"دعنا نهدم هذه القبة التي وضعت على الباطل وضل بها الناس عن الهدى" فقال: دونكها فاهدمها فقال الشيخ: "أخاف من أهل الجبيلة أن يوقعوا بنا ولا أستطيع هدمها إلا وأنت معي" فسار معه عثمان بنحو ستمائة رجل فلما قربوا منها ظهروا عليهم أهل الجبيلة يريدون أن يمنعوها فلما رآهم عثمان علم ما هموا به فتأهب ... فلما رأوا ذلك كفوا عن الحرب وخلوا بينهم وبينها, وذكر لي أن عثمان لما أتاها قال للشيخ نحن لا نتعرضها فقال أعطوني الفأس فهدمها الشيخ بيده حتى ساواها, ثم رجعوا فانتظر تلك الليلة جهال البدو وسفهاؤهم ما يحدث على الشيخ بسبب هدمها فأصبح في أحسن حال"[3] ا. هـ.
فكان ذلك نصرا عمليا له ولدعوته أقنع بعض المتشككين في أمره بصحة ما يدعو إليه[4] وهذا وعد من الله عز وجل لمن نصر دينه قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [5].
ويصف لنا ابن غنام رحمه الله حال الناس بعد هذا النصر قائلاً:
1-تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام [1]/30.
2-أي الأمير عثمان بن حمد بن معمر.
3-عنوان المجد في تاريخ نجد [1]/9.
4-انظر الدولة السعودية الأولى الجزء الأول ص44.
5-جزء من الآية 40 من سورة الحج.
المبحث الرابع: احتسابه في الحدود المطلب الأول: احتسابه برجم المرأة الزانية:
...
ليكون ذلك كفارة لها كما ورد في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابةٌ من أصحابه: "بايعوني على ألاَّ تُشركوا بالله شيئاً ولا تَسرِقوا ولا تَزنُوا ولا تقتلوا أولادَكم ولا تأتُوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجُلِكم ولا تَعصوا في معروف فمن وَفَى منكم فأجرُهُ على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقِبَ في الدنيا فهو كفارةٌ له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستَرَهُ الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنهُ وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك" [1].
ولما رجمت الزانية سرى خبرها سير البرق في البوادي والحضر، فوقع على القلوب وقع الصاعقة[2].
وتناقل الناس هذا الخبر الغريب عليهم وارتدع العديد منهم عن غوايتهم خوفاً من العقوبة[3].
قال ابن بشر رحمه الله: (فعظم أمره بعد ذلك وكبرت دولته وفشا التوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) [4].
وزادت هيبة الشيخ الإمام في النفوس كما أوقدت نار الحسد في قلوب الخصوم، وازدادت مخاوف الرؤساء والأمراء من أن تمتد سلطته إلى بلادهم فيغزو عقول رعاياهم وقلوبهم فيتبعونه فأخذوا ينصبون له ولأتباعه الشباك فيء طي الخفاء بغية إيقاعهم فيها! [5]. [1] أخرجه البخاري في صحيحه- ك: الإيمان- ب:11 (ولم يسمه البخاري) ، 1/11. [2] انظر تاريخ نجد وملحقاته ص 39. [3] انظر إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة ص 179. [4] عنوان المجد في تاريخ نجد 1/10. [5] انظر صقر الجزيرة ص 32.