اسم الکتاب : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون المؤلف : محمد عزير شمس الجزء : 1 صفحة : 546
بالمِلَل والنِّحَل لم يُرَ أوْسَعُ مِن نحْلتِه في ذلك ولا أرفعُ من درايته، برز في كلِّ فنّ على أبناء جنسه، ولم تَرَ عين من رآه مثلَه ولا رأتْ عينُهُ مثل نَفْسِه، كَانَ يتكلّم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير، ويَرِدُون من بحره العذب النمير، يرتعون من ريع فضله في روضة وغدير، إِلى أَن دبّ إِليه من أهل بلده داء الحسد، وأكب أهل النَّظر منهم على ما ينتقد عليه من أمور المعتقد، فحفِظُوا عنه في ذلك كلامًا، أوسعوه بسببه ملامًا وفوَّقُوا لتبديعه سِهامًا، وزعموا أَنَّه خالف طريقهم، وفرَّق فريقَهم، فنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضَهم وقاطعوه، ثمَّ نازع طائفة أخرى ينتسبون من الفقر إِلى طريقة، ويزعمون أنهم على أدقِّ باطن منها وأجلى حقيقة، فكشف تلك الطرائق، وذكر [لها]- على ما زعم - بوائق، فآضَتُ إِلى الطَّائفة الأٌولى من منازعيه، واستعانت بذوي الضِّغْن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمر أمرَه، وأعمل كلّ منهم في كُفْره فِكْرَه، فرتَّبوا محاضر، وألَّبوا الرُّوَيْبِضَة للسَّعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إِلى حَضْرة المملكة بالدِّيار المِصْرية فَنُقِلَ، وأُودع السِّجْن ساعةَ حُضُوره واعْتُقِل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قَوْمًا من عُمَّار الزَّوايا وسكَّان المدارس، ما بين مُجَامل في المُنَازعة، ومخاتِلٍ بالمخادعَة، ومُجاهر بالتَّكْفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه رَيْبَ المَنُون، وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ.
وليس المجاهِر بكفره بأسوأَ حالاً من المجامل، وقد دبَّتْ إِليه عقارب مكره، فَرَدَّ الله كيد كلٍّ في نحره، ونجاه على يد من اصْطَفَاه، والله غالب على أمره.
ثمَّ لم يَخْلُ بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طول عمره من محنة [إِلاَّ] إِلى محنة، إِلى أَنْ فُوِّض أَمره إلى بعض القُضَاة فتقلَّد ما تقلَّد من
اسم الکتاب : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون المؤلف : محمد عزير شمس الجزء : 1 صفحة : 546