اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 243
والواقع أن طبيعة اللغة تخالف طبيعة الحديث كما تبين، ولقد كان من الطبيعي أن يكون المحدثون أكثر تشددا في الرواية، وقد كانوا أكثر بحثا في أحوال الرواة من اللغويين برغم ما يزعمه بعض اللغويين من أن شروطهم في نقلة اللغة مماثلة لشروط أهل الحديث، فلكل بيئة ميزانها النقدي الخاص بها، فحيث لا يقبل المحدثون أهل الأهواء الذين لا يؤمن كذبهم ينقل اللغويون عنهم لعدم توفر دواعي الكذب في اللغة. كما أن نقد الرجال أنفسهم يختلف في بيئة عنه في الأخرى، ووضع نقلة اللغة في ميزان أهل الحديث قد يجرّح أكثرهم، ولم يكن عجيبا ما قاله إبراهيم الحربي المحدث:
«كان أهل العربية كلهم أصحاب أهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة:
أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب البصري والأصمعي» [1]، ذلك أنه قد وزن ناقلي اللغة بميزان ناقلي الحديث.
تلك خلاصة الأبحاث التي سبقت السيوطي وتناولت رواة اللغة، وقد اتضح منها محاولة الباحثين فيها وضع شروط مماثلة لشروط المحدثين بيد أن الرواية اللغوية- في واقع الأمر- كانت تجد تساهلا في قبولها أكثر من رواية الحديث، والأمر الثاني أن اللغويين لم يبحثوا في أحوال نقلتهم جرحا وتعديلا كما فعل أهل الحديث باستثناء ما قام به ابن جني، ومع ذلك فلم يتناول غير طائفة قليلة منهم بالتوثيق وأغفل الحديث عن سائر الرواة. وقد أنكر عليهم الرازي ذلك كما سبق، واعترف بهذا التقصير القرافي بالرغم من تعقبه للرازي واعتذاره عن اللغويين.
ومن ثم فقد نصب السيوطي نفسه مدافعا عن اللغويين محاولا أن يجد لديهم ما هوجموا بالتقصير فيه من بحث أحوال رواة اللغة فأجاب عن ذلك بأن «أهل اللغة والأخبار لم يهملوا البحث عن أحوال اللغات ورواتها جرحا وتعديلا، بل فحصوا عن ذلك وبينوه كما بينوا ذلك في رواة الأخبار، ومن طالع الكتب المؤلفة في طبقات اللغويين والنحاة وأخبارهم وجد ذلك، وقد ألف أبو الطيب اللغوي [1] ابن الأنباري: نزهة الألباء ص 17.
اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 243