اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 193
إلى الشام، وكسفر عمر بن الخطاب، وكسفر عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد إلى أرض الحبشة، وكسفر الأعشى إلى الحيرة ومحبته لنصاراها مع كونه حجة في اللغة، فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها، ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصحيح، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحد نزل بها القرآن، فان جهلها عربي، فكجهله الصريح بما في لغة غيره» [1].
بيد أن المنكرين لوجود ألفاظ أعجمية في القرآن لا يقبلون الأقوال التي حاولت التوسط بينهم وبين خصومهم الذين يذهبون إلى وجودها، فابن فارس يرى خلوّ القرآن من الألفاظ الأعجمية، وينكر على أبي عبيد رأيه فيقول: «فإن قال قائل: فما تأويل قول أبي عبيد فقد أعظم وأكبر؟ قيل له: تأويله أنه أتى بأمر عظيم، وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شيء لتوهم منه متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها، وفي ذلك ما فيه» [2].
ويتضح أن حجة ابن فارس لا يسندها الواقع اللغوي الصحيح، لأن العرب القدماء قد وقع في أشعارهم ألفاظ معربة كالسجنجل في شعر امرئ القيس وشهنشاه في شعر الأعشى، وغير ذلك كثير، ولم يخرجهم ذلك عن النمط العربي السليم، والأساليب العربية الصحيحة، فوقوع ألفاظ معربة في القرآن لا يعني أنه نزل بجملة من اللغات، وإنما نزل بالعربية بما احتوته من ألفاظ ذات أصول أجنبية تمثلتها العربية وصقلتها وفقا لخصائصها الصوتية والصرفية وأصبحت تستعمل بها، وهذا أمر معروف في جميع اللغات.
والسيوطي يذهب مع القائلين بوجود ألفاظ أعجمية في القرآن الكريم، وقد دلّ على رأيه وضعه الكتاب الذي نتحدث فيه، وسنرى له بعد قليل كتابا آخر يؤكد هذه الفكرة بيد أننا- في الحقيقة- لا نجد له- في هذا الكتاب المسمّى [1] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ج 1 ص 68، 69. [2] الصاحبي في فقه اللغة ص 29، 30.
اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 193