اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 181
الصلاةُ من الله سبحانه المغفرةُ والرأفةُ وجمعُها للتنبيه على كثرتها وتنوُّعِها والجمعُ بينهما وبين الرحمةِ للمبالغةِ كما في قولِهِ تعالى رَأْفَةً ورحمة رءوف رَّحِيمٌ والتنوين فيهما للتفخيم والتعرضُ لعنوانِ الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهارِ مزيدِ العناية بهم أي أولئك الموصوفون بما ذكر من النعوت الجليلةِ عليهم فنونُ الرأفةِ الفائضةِ من مالك أمورِهم ومبلِّغِهم إلى كمالاتهم اللائقةِ بهم وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم من استرجعَ عند المصيبةِ جَبر الله مصيبَته وأحسن عُقباه وجعل له خَلَفاً صالحاً يرضاه
{وَأُوْلئِكَ} إشارةٌ إليهم إما بالاعتبار السابقِ والتكريرُ لإظهارِ كمالِ العناية بهم وإما باعتبار حيازتِهم لما ذُكر من الصلوات والرحمة المترتبِ على الاعتبار الأول فعلى الأول المرادُ بالاهتداء في قولِه عزَّ وجلَّ
{هُمُ المهتدون} هو الاهتداءُ للحق والصواب مطلقاً لا الاهتداءُ لما ذكر من الاسترجاعِ والاستسلامِ خاصة لما أنه متقدمٌ عليهما فلا بدّ لتأخيره عما هو نتيجةٌ لهما من داعٍ يوجبُه وليس بظاهر والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلَهُ كأنَّه قيلَ وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حقَ وصواب ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى وعلى الثاني هو الاهتداءُ والفوزُ بالمطالب والمعنى أولئك هم الفائزون بمباغيهم الدينيةِ والدنيويةِ فإن مَنْ نال رأفةَ الله تعالى ورحمتَه لم يفُتْه مَطلبٌ
{إِنَّ الصفا والمروة} علمانِ لجبلين بمكةَ المعظمةِ كالصَّمّان والمُقَطَّم
{مِن شَعَائِرِ الله} من أعلام مناسكِه جمعُ شعيرةٍ وهي العلامة
{فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر} الحجُّ في اللغة القصدُ والاعتمارُ الزيارة غلباً في الشريعة على قصدِ البيت وزيارتِه على الوجهين المعروفين كالبيت والنجم في الأعيان وحيث أُظهر البيتُ وجب تجريدُه عن التعلق به
{فلا جناح عليه أن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} أي في أن يطوفَ بهما أصلُه يتطوف قلبت التاءُ طاءً فأدغمت الطاءُ في الطاء وفي إيراد صيغةِ التفعُّل إيذانٌ بأن من حق الطائفِ أن يتكلف في الطواف ويبذُل فيه جُهدَه وهذا الطواف واجبٌ عندنا والشافعي وعن مالك رحمهما الله أنه ركنٌ وإيرادُه بعدم الجُناح المشعرِ بالتخيير لما أنه كان في عهد الجاهلية على الصفا صنمٌ يقال له إساف وعلى المروة آخرُ اسمُه نائلة وكانوا إذا سعَوْا بينهما مسَحوا بهما فلما جاء الإسلامُ وكسَّر الأصنامَ تحرَّج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك فنزلت وقيل هو تطوُّع ويعضُده قراءةُ ابنِ مسعود فلا جُناحَ عليه أن لا يطوفَ بهما
{وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا} أي فعلَ طاعةً فرضاً كان أو نفلاً أو زاد على ما فُرض عليه من حج أو عمرةٍ أو طوافٍ وخيراً حينئذ نُصب على أنه صفةٌ لمصدر محذوفٍ أي تطوعاً خيراً أو على حذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعل إليه أو على تضمين معنى فعل وقرئ يَطوَّع وأصلُه يتطوع مثل يطوف وقرئ ومن يَتَطَوَّع بخيرٍ
{فَإِنَّ الله شَاكِرٌ} أي مُجازٍ على الطاعة عُبّر عن ذلك بالشكر مبالغةً في الإحسان إلى العباد
{عَلِيمٌ} مبالغٌ في العلمِ بالأشياء فيعلم مقاديرَ أعمالِهم وكيفياتِها فلا يَنْقُصُ من أجورهم شيئاً وهو علةٌ لجواب الشرطِ قائم مقامَه كأنه قيل ومن تطوعَ خيراً جازاه الله وأثابه فإن الله شاكر عليم
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 181